في ظلّ الحراك المتسارع الذي يهدف الى ملء الفراغ الرئاسي، تُطرَح أسئلة كثيرة عن مدى جدية المبادرة الفرنسية، وتحديداً لجهة زيارة الموفد جان فرانسوا جيرو الى لبنان وبعض دول المنطقة. فهذه الزيارة التي قيل فيها الكثير، حرَّكت المياه الراكدة، وأوحت أنّ مبادرة فرنسية انطلقت للمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية.
إذا كانت هذه الاسئلة في مكانها لجهة طبيعة الضمانات التي نالها الجانب الفرنسي، لجهة المهمّة التي يقوم بها، والمقصود بها الضمانات من الطرف المعطّل، أيْ ايران، فإنّ جيرو كما نُقل عنه لم يأتِ الى لبنان قبل أن يحصل على تأكيد أنّ الجانب الايراني مستعدّ للكلام الجدي في الاستحقاق الرئاسي، ما يعني الاستعداد الضمني للبحث في اسم توافقي، ما يعني أيضاً الاستعداد للبحث في استبعاد ترشيح العماد ميشال عون الذي يرفض مجرّد البحث في انتخاب أحد غيره للرئاسة.
ماذا عن الموقف الإيراني وخلفيّاته، ولماذا تطلب إيران الآن من فرنسا تفعيل مبادرتها، علماً أنه سبق لفرنسا أن قامت بمسعى منذ أشهر في طهران لم يؤدِّ الى نتيجة، فماذا تغيّر اليوم؟
تقول مصادر ديبلوماسية إنّ الموقف الايراني، تغيّر في اتجاه فتح الابواب للكلام عن الانتخابات الرئاسية، ولم يتغيّر في اتجاه التخلّي عن عون. فما يحصل الآن هو مرحلة تمهيدية تحضيرية لتغييرٍ سوف يظهر في الاسابيع أو الاشهر المقبلة، باعتبار أنّ ظروف المنطقة، وانغماس إيران و«حزب الله» في الوحل السوري، والرغبة بإبقاء الساحة اللبنانية بعيدة من التجاذب المذهبي، كلّ ذلك سيؤدي في النهاية الى فتح الابواب أمام انتخاب رئيس، وما التمهيد الايراني الحاصل اليوم سوى نسخة مشابهة لما حصل قبل تأليف الحكومة، حيث تراوح موقف «حزب الله» من التصعيد الأقصى حتى القبول بشروط واقعية، أدّت في النهاية الى تأليف الحكومة.
وترى المصادر أنّ مسار الاستحقاق الرئاسي لن يكون سوى نسخة عن مرحلة ما قبل تأليف الحكومة، وذلك لن يحصل إلّا متى اقتنعت إيران بأنّ مصلحتها تقتضي الوصول الى تسوية رئاسية في لبنان، علماً أنّ كثيراً من المراجع الدولية يتحدث عن اتفاق سريع بين إيران والمجتمع الدولي على الملف النووي سيؤدي الى تفاهمات معيَّنة على مستوى المنطقة، ومن ضمنها لبنان. يبقى السؤال ماذا ستكون نتائج هذا المسعى التوافقي على الداخل، وعلى خريطة القوى والتحالفات، وتحديداً على الساحة المسيحية.
لا تزال الكنيسة تأمل أن تلعب دوراً كبيراً في جمع ما يسمى الأقطاب المسيحيين، ذلك على رغم أنّ كلّ الاجتماعات السابقة باءت بالفشل، وعجزت عن تأمين نصاب جلسة الانتخاب الرئاسية. ويبدو هذا السعي الى جمع الاقطاب عبثياً، وغير قادر على اللحاق بالمطبخ الرئاسي الحقيقي، الذي يُحضّر لإنضاج الاستحقاق على نار هادئة (المسعى الدولي الاقليمي).
وإضافة الى ما تقوم به الكنيسة، يُسجَّل للفاتيكان حراكٌ على خط الأزمة الرئاسية، وينقل في هذا الاطار عن دوائر فاتيكانية، إصرار الفاتيكان على إجراء الاستحقاق في أسرع وقت ممكن، وتحمل هذه الدوائر مسؤولية التعطيل للجميع، ولكنّها تحضّ ممثلي الطوائف الاسلامية على أن تساعد في إجراء الاستحقاق، وإلّا فإنها تكون مسؤولة بشكل أو بآخر عن إبقاء الفراغ في الرئاسة.
لا تطرح الدوائر الفاتيكانية، أيّ اسم ولا تدخل في لعبة الاسماء، لكنّها تشدّد على ضرورة انتخاب الرئيس في أسرع وقت، وهذا ما يريده الكرسي الرسولي الذي يدعم المسعى الفرنسي، والذي يخشى أن يؤدي الفراغ الى إضعاف ما تبقى من عناصر قوة المسيحيين، وقدرتهم على الصمود في لبنان والمنطقة.