IMLebanon

على طرق ختام الحرب في سورية

       

طال الصراع على ختام الحرب في سورية، لكن أكثر من دليل يشير إلى أنها تسير على طرق هذا الختام المتعددة والمتفرعة. الختام الذي يظهر أنه قيد اتخاذ صفة المستقر، هو ذلك المتعلق بالبعد الداخلي، بساحاته القتالية العديدة، وانتقال القوات السورية النظامية من منطقة سيطرة وتثبيت وثبات إلى منطقة سيطرة جديدة، يعني أن ما ظلّ شارداً خارج الاحتشاد الإنتظامي الرسمي، هو في طريق العودة إلى خيمة ذلك الاحتشاد. ما يحدث الآن في درعا وعلى حدود الجولان السوري المحتل محطة ستتلوها محطات، وشأن الشمال السوري وبعض شرقه، دخل سوق المناقصات مع دول الجوار الإقليمية ومع دول الرعاية الأجنبية البعيدة.

 

 

ما بات واضحاً من خريطة التوزّع السورية، التي تقرب من عملية المحاصّة السياسية بين مختلف الرعاة الخارجيين، هو أن النظام السوري بهيكليته السياسية والأمنية واحد من ثوابت المواقع على الخريطة، ولعله في ضوء ما يحصل، هو المتقدم على سواه من الثوابت. ومما يعزِّز هذه الفرضية عدة عوامل، بعضها سمته العجز وقلة الحيلة وضعف التأثير، وبعضها الآخر له سمة التكيّف السياسي والميداني، وفقاً لما تمليه القراءات المصلحية العليا والبعيدة المدى، لهذه الدولة ذات النفوذ أو تلك، وفي الوسط أو على الهامش، يأتي سلوك النظام السياسي السوري الذي أبدى «طواعية» ملحوظة في الاستجابة لمتطلبات حلفائه وداعميه، بعد أن صار وجوده المادي الشامل مرهوناً بهؤلاء الداعمين.

 

بين أطراف العجز وقلة الحيلة، تحتل المعارضات السورية المقعد الأول، فهذه، جمعاً وفرادى، غادرت موقعها الشعبي باكراً، واستجابت للعسكرة برعونة، وأسلست القياد لمن موَّل ودعم من دون حسابات، وركبت مركب الارتداد بالمجتمع السوري قروناً إلى الوراء، ثم أقدمت بعض فصائلها على ممارسات من التوحش والقمع والتسلّط ونهب المال العام، أي أنها شابهت أساليب عدة من ممارسات النظام الذي خرجت عليه. كل ذلك كان كفيلاً بإعطاء الغطاء اللازم لحرب النظام على هذه المعارضات، وبتقديم التبرير المطلوب للمتدخلين الدوليين الذين رفعوا رايات الحرب على الإرهاب، أي على الظاهرة التي سمحوا بولادتها، عندما سمحوا بتدمير الاجتماع السوري على أيدي أبنائه الرسميين أولاً، وبواسطة أبنائه الشعبيين لاحقاً.

 

المقعد الثاني في صفوف العاجز، أو المقعد القريب من مقعد المعارضات يختصّ به المتدخل العربي الذي وقف في سورية من دون مشروع سياسي مستقبلي يخطب ودّ القريب السوري والعربي، ويسّفه خطابات الجيران غير العرب، ويقلل من شأن ووجاهة المسوّغ الدولي المتدخل، ما حرم «العربي» الحريص أو «المتحارص»، من القدرة على توظيف دعم دولي ما في صالح رؤيته لما يمكن ويجب أن يكون عليه الوضع في سورية الشعبية والجغرافية والسياسية.

 

العجزان المحليان، المعارض والعربي، فاقما تأثير التدخل الأجنبي، فصار العامل التركي وازناً، والعامل الإيراني من «حماة الديار»، والعامل الإسرائيلي من أهل سياسة «حسن الجوار»، ومن وراء هذا وذاك، بل من ضمن السيطرة على أداء كل المذكورين وضبطه، يتواجد القرار الأميركي الذي تكيّف مع الوضع وفقاً لخطته المتجددة مع الرئيس ترامب، ويتواجد القرار الروسي، الذي يحتل موقع النفوذ الأول على رأس قائمة الداعمين، ووفقاً لخطة تثبيت الشراكة مع اللاعب الأميركي، في الساحة السورية وفي سواها من الساحات.

 

الخلاصة التي تشخص ببنودها اليوم أمام أي قارئ، تشهر عناوين التبدلات الميدانية، وهذه ستجد ترجماتها السياسية المناسبة، في يوم قد لا يكون بعيداً كثيراً.

 

وسط ذلك يطرح السؤال: أين يقف اللبنانيون من كل تلك التطورات؟ الجواب المرجَّح حتى الآن، هو أن المعنيين الرسميين في لبنان ما زالوا يرددون ذات الكلمات، وأن المعنيين من الموزّعين بين حليفٍ «لسورية» وبين مناوئ لها، ما زالوا يلوكون ذات الخطب، وعلى جاري العادة اللبنانية، قد يكون الالتحاق بالحصيلة مشتركاً بين الصنفين السياسيين، وإعلان النصر مشتركاً أيضاً، ذلك أن التشكيلة اللبنانية لم تعرف مهزوماً حتى الآن، غير المهزوم اللبناني فقط في معركة بناء وطن يكون له مقامه المستقر بين الأوطان.