يرى مراقبون أّنّ الاتفاق بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيرغي لافروف وجون كيري في باريس على محاربة تنظيم «داعش»، يشكّل انطلاقة مهمّة لحلّ العُقد بين القطبين الدوليين في الشرق الأوسط.
في قراءة بين سطور اتّفاق باريس، يبدو واضحاً أنّ موسكو لن تنضمّ إلى التحالف الدولي، بل ستكتفي بتبادل المعلومات الاستخبارية معه، في حين ستستمر في محاربة التنظيم الإرهابي على طريقتها الخاصة، ما يعني وفق مراقبين أنّ موسكو ستحاول تشريع تحرّكات حلفائها ضد الارهاب في المنطقة، وهنا تكمن العقدة المقبلة.
فهل هذا يعني أنّها ستشكل تحالفاً آخر لمواجهة «داعش»؟
بالطبع هي لن تقدِم على خطوة من هذا النوع، فالمتابع لسياساتها حيال ملفات الشرق الاوسط ، ولا سيّما منها ملف الأزمة السورية، يُدرك أنّها لم تبدّل مواقفها على رغم الضغوط التي تعرَّضت لها لأكثر من ثلاث سنوات في ملفات عدة، وخصوصاً الملف الاوكراني، وعلى ما يبدو أنّها ستستمر في هذه السياسة، ولا سيّما أنّ لافروف لمَّح بعد لقائه كيري إلى أنّ لدى بلاده مفهوماً خاصاً لمكافحة الارهاب، ما يشير إلى أنّ لدى الديبلوماسية الروسية سيناريوهات لا تتطابق مع واشنطن إلّا في العنوان.
وأشار لافروف الى أنّ «هناك فهماً للدور الخاص الذي تلعبه روسيا والولايات المتحدة في الجهود الدولية الرامية إلى حلّ مشكلات كلّ الشعوب والدوَل بلا استثناء»، مؤكّداً أنّ «هناك مجموعة من المسائل يمكننا التعاون فيها بنحو أكثر فعالية، وذلك لرفع مستوى تأثير المجتمع الدولي وحلّ المشكلات، وفي طليعتها الإرهاب الذي يغدو خطراً محدقاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
ما يعني أنّ هناك مسائل أخرى لا يمكن التعاون فيها نظراً لاختلاف الرؤى بين روسيا والغرب، إذ إنّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية كانت ولا تزال محطّ انتقادات لاذعة لدى المسؤولين الروس الكبار، خصوصاً في ما يتعلق بنهج ازدواجية المعايير في الشرق الأوسط.
لا شكّ في أنّ موسكو التي وقفت بحزم وثبات إلى جانب حلفائها في المنطقة، في السرّاء والضرّاء، لن تتخلى عنهم في هذا الوقت الحرج، خصوصاً أنّ طبول الحرب باتت تقرَع من كلّ حدبٍ وصوب.
أوساط الخارجية الروسية تعتبر أنّ التوافق الأخير بين لافروف وكيري ليس جديداً، إذ إنّ البيت الأبيض والكرملين لم يختلفا يوماً على خطورة ظاهرة الإرهاب وضرورة مواجهتها، لكنّ الخلاف كان ولا يزال على أساليب مواجهتها. فالإدارة الأميركية تنتهج القوّة والحروب الاستباقية في سياساتها، فيما تلتزم موسكو نهج معالجة أسباب تنامي تلك الظاهرة ومحاربتها من خلال دعم الأنظمة التي تواجهها على أراضيها.
وتؤكّد الأوساط أنّ موسكو ستستمر في هذا النهج، من خلال دعم السلطتين في العراق وسوريا على المستويات كافة في حربهما ضد «داعش»، ولكن من دون التدخّل المباشر، لأنّ ذلك سيُعقّد الأوضاع أكثر، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة في أفغانستان والعراق.
إذاً، استمرار اختلاف الرؤى بين واشنطن وموسكو في أساليب مواجهة «داعش» لا يزال قائماً وينسحب على نهج كلّ منهما، خصوصاً في سوريا، حيث إنّ مؤتمرَي جنيف واللقاءات المتكرّرة بين الطرفين في المحافل الدولية لنحو أربع سنوات لم تؤدِّ إلى إيجاد لغة الحدّ الأدنى بينهما. من هنا يبرز السؤال: علامَ اتّفقَ لافروف وكيري بما أنّ الخلاف على الأساليب والجهات المخوّلة محاربة الإرهاب لا يزال سيّد الموقف بينهما؟