IMLebanon

على من انتصرت تركيا في «الباب»؟

عملية « درع الفرات» التي أطلقتها تركيا بالتنسيق مع «الجيش السوري الحُرّ» في 24 آب الماضي تمكّنت بعد 6 أشهر على انطلاقها من تطهير مدينة الباب من تنظيم «داعش»، لكن بين الأهداف المتبقية أيضاً الوصول إلى المناطق الحدودية غرب الفرات وإخراج التنظيمات الإرهابية، كما تقول البيانات السياسية والعسكرية التركية.

نجاح العملية التركية كان انتصاراً تركياً على الحاجز النفسي والمادي الذي تسبّب به تاريخ 15 تمّوز المنصرم والمحاولة الانقلابية الفاشلة وارتداداته الأمنية والعسكرية والتنظيمية على المؤسّسات التي تلقّت ضربة قوية من جماعة الكيان الموازي.

تركيا التي دفعت ثمناً باهظاً داخل أهمّ مؤسساتها القتالية والإستخبارية والأمنية، تردّدت في خوض معركة شمال سوريا ضدّ «داعش» لأنّ نفوذ جماعة غولان وقدرتها على العرقلة والتعطيل والخيانة مرّة أخرى كان سدّاً يُعيق قرار إعلان ساعة الصفر ضدّ داعش.

في مطلع آب الماضي كان الإعلام الإيراني والسوري التابع للنظام يُردّد أنّ حكومة «العدالة والتنمية» سقطت في مصيدة سوريا ووحولها المتحرّكة، وهي ستذهب زحفاً نحو طهران ودمشق طلباً للنجاة. توتّر تركي – روسي وآخر تركي – أميركي وثالث مع مصر والعراق واليونان، ومع ذلك قرّرت أنقرة الدخول في المغامرة لتقلب المعادلات لمصلحتها، وهذا ما نجحت فيه حتى الآن.

الهدف في العلن كان إخراج «داعش» من المناطق الحدودية، لكنّ الهدف الحقيقي كان الردّ على ألاعيب الأصدقاء والحلفاء قبل الأعداء ضدّها في سوريا والعراق، لذلك أعلنت ساعة الصفر في الرابعة فجراً من الأربعاء الأخير في تمّوز الفائت .

قناعة أنقرة في أسباب التحرّك العسكري كانت أيضاً معادلة أنّ من يريد أن يكون أمام الطاولة عليه أن يكون في الساحة، وهذا ما حدث بالتنسيق مع مجموعات «الجيش السوري الحرّ».

في «درع الفرات»، قد تكون القوات المسلحة التركية نجحت خلال ساعات في الوصول إلى جرابلس تنفيذاً للمهمّات الموكلة اليها، لكنّ اللاعب الحقيقي من وراء الستار كان دائرة الاستخبارات الخارجية التي تمّ إعادة تشكيلها في عهد «الرجل الشبح» هاقان فيدان، رئيس جهاز «ميت»، وأشرفت على عمليات التحضير والتجهيز والتنسيق مع اللاعبين المحليين على الأرض في شمال سوريا. كوادر هذه الفرَق، التي تجيد لغات المنطقة بلهجتها ولكنتها وتعرف جغرافيتها، كانت حاضرة ساعة بساعة تتابع كافة التفاصيل الدقيقة.

على من انتصرت تركيا في الباب؟ على نفسها أوّلاً في حسم قرار التدخّل على رغم المخاطر، ثمّ هي انتصرت على من حاول تعطيل قرارها بالتدخّل العسكري مُهدّداً أو مُحذّراً أو متآمراً، وهي بعد ذلك انتصرت لمصلحة حليفها «الجيش الحُرّ» الذي راهنَ عليها في دعمه ضدّ تحريك داعش ضدّه لتشتيت أهداف الثورة وتطلعاتها.

لا بد أن تكون أنقرة وحلفاؤها قد استفادوا أيضاً من دروس معركة الباب والأخطاء المرتكبة مثل التردّد في عدم حسم المسألة باكراً ومنح النظام السوري وإيران وداعش والوحدات الكردية التابعة لصالح مسلم فرصاً كثيرة للتحرّك والمناورة.

في أسباب المقاومة الشرسة التي أبداها عناصر داعش في الباب على رغم معرفته أنّ الهزيمة حتمية، فتح الطريق أمام قوات النظام السوري المدعومة من العناصر الإيرانية ومنحها الفرصة والوقت للاقتراب من الوحدات التركية والجيش الحر تمهيداً لإقحامهما في مواجهة مباشرة. داعش ترك بلدة تادف لمصلحة النظام من دون قتال… هناك اتفاق بين الطرفين.

إحتمال كبير أن يستمر توزيع الأدوار وعملية تبادل الخدمات بين داعش والنظام في الرقة أيضاً. بدأت المواجهات العسكرية بين النظام وأعوانه وقوات الجيش الحُرّ لكن ما الذي ستفعله أنقرة؟

القيادات السياسية التركية تتحدّث عن استعدادها للذهاب إلى الرقة، لكنّها تصرّ على أنّ الطريق إلى هناك يجب أن تكون عبر المنبج. الإعلام التركي يكشف النقاب يومياً عن معلومات جديدة تتعلّق بخطط معركة الرقة مع داعش وسيناريوهاتها، ويقول إنّها نوقِشت في الأيام الأخيرة مع نائب الرئيس الأميركي ميشيل بنس ورئيس الأركان الأميركي جوزف دانفورد، ورئيس جهاز الإستخبارات الجديد مايك بومبايو. أنقرة تريد محاصرة واشنطن بالتزاماتها واستعدادها لتغيير خارطة الطريق إذا ما تسلّم الجيش الحر مدينة المنبج من دون إراقة دماء.

بين الدروس المُستخلصة تركياً، مثلاً قناعة أنّ التنسيق التركي – الروسي – الأميركي في الرقة قد يفتح الأبواب أمام تنسيق آخر في العراق ومعركة الموصل في إطار تحرّك متزامن على الجبهتين ربّما.