لا تسدّ حبة بطاطا جوع طفلة، لكنها تسكّنه في الوقت الضائع بين الحلول، وأحلاها مرّ في الأرض السورية المنكوبة بالدمار والفقر وحكايا الفقدان والنزوح واللجوء، والموت غرقاً خلف البحار. ولا تكفي كل أيدي الإغاثة، والتي تحتفل في 19 آب من كل عام باليوم العالمي للعمل الإنساني، بدعوة من برنامج الأغذية العالمي، في إنقاذ نحو 83 في المئة من الشعب السوري، والذي بات يرزح تحت فقر مدقع بحسب تصنيف الأمم المتحدة، بينهم أكثر من ثمانية ملايين طفل في حاجة ماسة للمساعدة، وعائلات تعيش بأقل من دولار وربع دولار يومياً، وبيئة معدوم فيها المواد الغذائية ومياه الشرب ومرافق الصحة والإيواء والتعليم، وربما مراكز الإيواء بعدما تحولت البلدات والأحياء الى ساحات جرت تسويتها بالأرض.
ولا تكفي كل عبارات المساندة في انتشال المرأة السورية مما فعلته بها الحرب التي باتت مزمنة، حيث الواقع مأسوي أكثر مما تظهره الوجوه والعيون، فكانت تغيرات جذرية أخذتها عنوة من منزلها ووظيفتها وبساتينها الى صلب الحياة اليومية، لتعوض غياب الزوج والأب والأخ والابن، ملزمة بتأمين القوت اليومي وإن اقتضى بها الأمر في أن تغدو «شغيل فاعل»، ترضى بالقليل وتكابد الكثير، ولا سيما أنها في الدوامة المستمرة فقدت دورها الاجتماعي، وانتشرت في محيطها ظواهر الطلاق وتعدد الزوجات والأرامل والعودة الى انخفاض نسبة تعليم الإناث. والأقسى، طرقها أبواب «التسول» منذ أقفلت أبواب الرزق في وجهها. ومثل أولئك النسوة، أي إغاثة ومساندة تفلح معهن في انتشالهن من جحيم الحياة اليومية في بلدهن وفي بلدان النزوح واللجوء. ومع ذلك تكفي أحياناً يد واحدة لتربت على الكتف وتواسي.
ولا يكفي في المناسبة أن تعيد المنظمات الدولية التذكير بضرورة عدم استهداف المدنيين المحاصرين في الصراعات، ولا أولئك الذين يقدمون يد العون لهم، في زمن بات استهداف المعونات الإغاثية والمساعدات الدولية التي لا تلبي في الأساس الحاجات الحقيقية والمتصاعدة للاجئين، ناجماً عن «نيران صديقة» مع الأخذ بالاعتبار طول الإقامة وشحّ الموارد وغياب الخدمات الأساسية، الى ما ينجم عن مساس بالكرامة الإنسانية.
ولن تحول مناشدة قادة العالم بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة دون وقوع المزيد من الضحايا، طالما أن الأطراف المشاركة في الصراعات تفهم في تقاسم المغانم والنفوذ أكثر من الثبات على أسس ومبادئ تجمع بينها «الإنسانية المشتركة».
.. ويبقى اليوم العالمي للعمل الإنساني مناسبة فحسب لتذكّر أرواح ضحايا أبرياء سقطوا في الصراعات، بينهم المدني وعامل الإغاثة والمتطوع والطفل الذي كان في مهده وتشظى قبل أن يكبر ويفهم أن بقية الأطفال في بلده مشاريع شهادة وشقاء. أما الفعل فإنه يبدأ من ضمير القادة في مقاربتها للشعوب. فأين من الشعوب قادتها وضمائرها وقد باتت في علم الغيب؟.