هواجس عونية: «تاو التشريع» يطال الهيبة.. والترشيح
بري: لا تعديل في التوقيت والجدول.. والجلسة ستنتظم كـ«بيغ بن»
ما لم تنجح اتصالات ربع الساعة الأخير في «ترميم» ميثاقية الجلسة النيابية قبل موعد انعقادها، الخميس والجمعة المقبلين، فإن المواجهة على حافة تشريع الضرورة ستتخذ أبعادا واسعة، من شأنها ان تتجاوز الاطار التشريعي الى مدى أبعد وأخطر، لا سيما على صعيد العلاقة المعقدة بين «حليفي الحليف»، الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون.
مطالعة بري
وفي هذا السياق، يؤكد الرئيس بري لـ «السفير» أن الخطر الكبير ليس في عقد جلسة تشريعية من دون حضور بعض المكوّنات المسيحية، بل في عدم انعقادها، لافتا الانتباه الى انه إذا كان الخيار بين تناول طبق يتسبب بـ «مغص» وطبق آخر يؤدي الى الموت، فإنني أختار الأول طبعا.
وحين يقال لبري ان تشريع الضرورة في ظل غياب نواب «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب»، قد يؤدي الى تداعيات ميثاقية لا تُحمد عقباها، يجيب: «الميثاقية كما أفهمها، وفق الدستور، تعني حضورا نيابيا من كل الطوائف، فإن غاب مكوّن طائفي بكامله، كما حصل مع حركة أمل وحزب الله في حكومة فؤاد السنيورة، تسقط الميثاقية تلقائيا، وهذا ما لا ينطبق على الجلسة التشريعية المقررة التي ستشارك فيها زعامات مسيحية وازنة كالنائب سليمان فرنجية وغيره، كما سيحضر نواب آخرون من أصحاب التمثيل المسيحي».
ويتابع: «انتهت تلك الايام التي كان يقال فيها ان نواب الاطراف لا يمثلون طوائفهم».
ويلفت بري الى ان الرئيس حسين الحسيني محق في تأكيده لـ «السفير» أن تشريع الضرورة لا يتطلب في الاساس نصابا ميثاقيا، بل ميثاقيا دستوريا، مشددا على انه «إذا توافر في الجلسة المقبلة نصاب الـ65 صوتا، فسأمضي فيها حتى النهاية انطلاقا من أهمية المشاريع المطروحة على جدول الاعمال».
ويضيف بري: «ما داموا قد أساؤوا التعاطي مع تمسكي طويلاً بالميثاقية الموسعة على الرغم من انها ليست قاعدة دستورية في التشريع، فأنا من الآن وصاعدا سأحتكم فقط الى النص الدستوري».
ويشير رئيس المجلس الى انه صبر كثيرا وأعطى وقتا طويلا «لفرص التفاهم التشريعي مع العماد عون والقوات اللبنانية، الى درجة أنني عقدت جلستين لهيئة مكتب المجلس من أجل إعطاء فسحة للتوافق على جدول الاعمال، علما انه كان بإمكاني، استنادا الى صلاحياتي، البت في الامر خلال نصف ساعة لو أردت، لكنني تجنبت ذلك تفاديا لتحريك الحساسيات لدى أي فريق».
ويرى بري انه «جرت مراعاة مطالب العماد عون والمكونات المسيحية الاخرى الى حد كبير، حين أدرجنا مشروع استعادة الجنسية على جدول الاعمال، برغم ان اللجان النيابية لم تبت به، ما دفع النائب سمير الجسر الى طرح تعديلات عليه باسم كتلة المستقبل، سأكون ملزما بعرضها للنقاش على الهيئة العامة».
ولماذا لا تُدرج مشاريع الانتخاب الـ17على جدول الاعمال، ثم تُرفع الجلسة قبل الوصول اليها، بما يحفظ ماء وجه القوى المسيحية الاساسية ويؤمن مخرجا من المأزق الحالي؟
يسارع بري الى الرد بالقول: «أرفض التحايل على الناس والقوى السياسية، وللعلم فأنا من أشد المتحمسين لوضع قانون انتخاب جديد، وهذا ما يفسر انني أدرجته بنداً ثانياً على جدول أعمال طاولة الحوار سعيا الى إقراره ضمن سلة كاملة، ومن المفترض ان نبدأ البحث فيه بعد إتمام التفاهم على مواصفات الرئيس التي بات معظمها منجزا».
ولا يفوت بري ان يلفت الانتباه الى انه سبق ان تم الاتفاق في مجلس النواب على تأجيل إقرار قانون الانتخاب الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية، حتى يكون له رأي في القانون.
ويعتبر بري ان إدراج المشاريع الانتخابية الـ17 كلها على جدول الاعمال هو «مهزلة سياسية»، متسائلا: «هل يجوز التعاطي بهذه الخفة مع قانون حيوي، يتعلق بإعادة تكوين السلطة؟ إن قانونا من هذا النوع يحتاج الى توافق وطني حوله قبل عرضه على الهيئة العامة، ولا يصح إقراره سلقا في نصف ساعة كما يتراءى للبعض».
وتعليقا على طرح البعض تأجيل الجلسة التشريعية حتى شباط المقبل، يلفت بري الانتباه الى ان التوقيت الذي حدده لم يكن اعتباطيا، بل هو مدروس بدقة، موضحا ان فترة العقد التشريعي العادي تنتهي في 31 كانون الاول المقبل، ولا إمكانية في ظل الوضع الحالي لفتح دورة استثنائية لاحقا، ثم ان العديد من النواب سيباشرون السفر لمناسبة الأعياد ابتداء من منتصف الشهر ذاته، ولذلك فإن توقيت الجلسة أتى دقيقا كساعة «بيغ بن»، ولا مجال لتعديله.
ويوضح بري ان الاتصالات مستمرة، «وهناك من طلب مواعيد للقائي وأنا لن أقفل الباب، إلا ان جدول الاعمال طُبع ووُزع على النواب، وأي جديد يطرأ يمكن بحثه في الجلسة المقبلة».
وعما إذا كان يرى في موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي رفعا للغطاء الكنسي عن الجلسة التشريعية، يقول بري: «لم أفهم كلام البطريرك الراعي على هذا النحو، بل فهمت منه انه يؤيد تشريع الضرورة، شرط عدم إهمال انتخاب رئيس الجمهورية وقانوني الانتخاب والجنسية، وأنا معه في ذلك، وهذا ما يفسر إصراري على عقد جلسات متلاحقة لانتخاب الرئيس، لا يكتمل نصابها بسبب مقاطعة التيار الوطني الحر لها واضطرار العديد من قوى 8 آذار الى التضامن معه».
ويستغرب كيف تُعقد جلسة تشريعية، بعد التمديد الثاني مباشرة في 5 تشرين الثاني الماضي، لإقرار بعض القوانين والقروض بحضور «القوات اللبنانية»، بينما يعارضون الجلسة المقررة هذا الأسبوع على الرغم من ان المشاريع والبنود المطروحة على جدول أعمالها أكثر أهمية.
ويعتبر رئيس المجلس ان عدم مبادرته للدعوة الى عقد جلسة تشريعية منذ قرابة عام «هو أكبر دليل على انني استهلكت كل الوقت الممكن، لمراعاة خواطر بعض الجهات المسيحية. لذا فإن ضميري مرتاح لأنني بذلت أقصى جهد ممكن لضم الجميع الى جلسة التشريع، الى ان لامست الخط الاحمر، زمنيا ووطنيا».
مقاربة الرابية
على الضفة الاخرى، تشعر الرابية بأن الاستهدف للمسيحيين ولعون انتقل من مجلس الوزراء الى مجلس النواب، وانه كما جرى سابقا رفض إقرار التعيينات الامنية في الحكومة، يُرفض حاليا إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية، فيما يبدو مشروع استعادة الجنسية غير واضح المصير.
وينبه أحد المقربين من العماد عون الى ان المضي في عقد الجلسة التشريعية، من دون حضور المكونات المسيحية الاساسية وفي طليعتها «التيار الحر»، سيُرتب تداعيات شديدة الخطورة، معتبرا ان الإصرار على عقد جلسة، مبتورة الميثاقية، هو الانتحار بحد ذاته، وليس عدم إقرار بعض القوانين والقروض المالية التي تكتسب ضرورة ولكنها لا ترقى في أهميتها وحساسيتها الى الميثاقية.
ويلفت الانتباه الى ان «التيار الحر» اتخذ موقفا مبدئيا خلال عهد الرئيس إميل لحود بالوقوف الى جانب «حزب الله» و «حركة أمل» عندما انسحبا من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وتضامن معهما حتى الحد الأقصى في اعتبار الحكومة غير ميثاقية، بسبب انسحاب المكوّن الشيعي منها إضافة الى غياب القوة المسيحية الأساسية عنها، أي «التيار».
وتتساءل هذه الشخصية المحيطة بالجنرال عما إذا كان يجوز تكرار تلك التجربة المسيئة الى الشراكة الوطنية والتوازن الداخلي، ولكن هذه المرة في مجلس النواب عبر تشريع الأمر الواقع، وبتغطية من بعض الذين دفعوا في المرة السابقة ثمن الإقصاء والتهميش، محذرة من انه لن يكون سهلا في المستقبل التصدي لأي محاولة قد تحصل مجددا لاستفراد المكون الشيعي، وذلك تأسيسا على مشاركة هذا المكون في إنتاج الخلل الميثاقي المحتمل في الجلسة التشريعية المقبلة.
وتعتبر الشخصية ذاتها انه إذا انعقدت الجلسة التشريعية، وهي منقوصة التمثيل مسيحيا، فسيكون من الصعب عندها فصل هذا المعطى الدراماتيكي عن معركة رئاسة الجمهورية وترشيح الجنرال اليها.
ويرى صاحب هذه المقاربة، وهو من اللصيقين بعون، ان التشريع من دون وجود نواب «التيار الحر»، يهدف الى المساهمة في كسر هيبة الجنرال وبالتالي تخفيض أسهمه الرئاسية، «وإذا كانت صواريخ التاو الاميركية التي أعطيت الى المجموعات المسلحة السورية تهدف الى تأخير تقدم الجيش السوري في الميدان، فإن تشريع الامر الواقع هو تاو سياسي يراد منه إلحاق إصابة رئاسية بعون، على قاعدة ان زعيما بحجمه لا يستطيع ان يفرض إدراج بند على جدول أعمال الجلسة النيابية (قانون الانتخاب) أو تأجيل جلسة تغيب عنها المكونات المسيحية التمثيلية، كيف له ان يكون رئيسا للجمهورية؟».
ويلفت هذا المصدر الانتباه الى انه لو وُجدت نية بالمعالجة، لتم على الاقل إدراج قانون الانتخاب في أسفل جدول الاعمال، من باب المحافظة على الاعتبار المعنوي لعون، من دون ان يكون بري ملزما بطرحه على التصويت في الجلسة، إذا كان قلقا من إمكانية تهريب مشروع غير متوافق عليه.
ويرجح المصدر البرتقالي ان يلحق تشريع الضرورة ضررا كبيرا بعلاقة عون ـ بري، الهشة اصلا، متوقعا ان تنهي الجلسة النيابية رسميا الحلف المترنح بين الرجلين، ما لم تلحظ مطلب عون، ومشيرا الى ان الجنرال بصدد اتخاذ موقف نوعي إذا لم تنجح الاتصالات السياسية في استدراك المحظور الميثاقي.
ويتساءل المصدر عن المصلحة في دفع «التيار الحر» أكثر فأكثر نحو حضن «القوات اللبنانية»، في حين ان تموضعه الطبيعي على مستوى الخيارات الاستراتيجية هو الى جانب «حزب الله» الذي سيكون المحرج الاكبر حيال هذه المواجهة المتجددة بين حليفيه.
ويتوقع المصدر ان يتطور الاعتراض المشترك البرتقالي ـ القواتي من مجرد مقاطعة الى موقف سياسي، متعدد المفاعيل.