… حكاية صباحية عن الحرية التي نبتت ونمت مع نماء الفكر البشري على مرّ عصور إشراق وانحطاط توالت مسجلة تطوّر ذكاء انساني في حقول الفكر والعلوم. أما الروح فظلّت سجينة “وثنية” بنت على الممنوع والعقاب، لا دخل لها بمن في السماء ولا بمن يمثل السماء على الأرض. فعالم الروح لا يزال غامضاً، لو أردنا سبر أغواره لفشلنا، والانسان ابن عقائد روحية بدأت واستمرت وثنية، وان تكلّمت عن إيمان بخالق واحد، خلق الانسان من طين وحدّ من حريته لمّا منعه من التمتع بثمار المعرفة.
هكذا بدأت حكاية الحرية المكبوتة: من نسيج فكر بشري قديم غاص في أساطير تخرج من مرآة عاكسة وجوداً ليس في الواقع من عالم الحقيقة. فخالق الأكوان العظيم، الأكوان التي يظل العلم يكتشف جديداً عن أسرار تناغم مسارها، لا يحاسب إنساناً أراد حرية الغوص الى جذور المعرفة التي تتطور مع تطور الفكر البشري.
أما عن حكاية الحرية اليوم في لبنان، ونحن أكثر من يتمتع بها في عالم عربي مقيّد، فقد بدأنا نفقدها بعدما مرّ بالعرب ربيع أيقظ حروباً مذهبية وانتقاماً خبيثاً بين أبناء الوطن الواحد، فتفككت الأوطان واستفاقت النعرات الطائفية، ونكل بالمسيحيين في فلسطين والعراق وسوريا، وتعرضوا للتهجير والذبح على أيدي معارضين وداعشيين، داخل مخطط صهيوني بامتياز، والهدف واحد: تمدد الحلم الصهيوني على حساب عرب ما عرفوا كيف يتحصنون ضد الجهل.
حريتنا في لبنان خاضعة لسطوة المال، تحديداً حرية التعبير. فالمال باب الرزق، باب الحياة. ومن له المال يشتري حتى الضمائر والحريات، ويذلّ من يمدّ له اليد. ومفتاح هذا الباب ليس في أيدي الشعوب، بل في أيدي من يستبدّون بها، حكاماً وأوصياء. لذا الشعب اللبناني مخنوق في سجن لقمة العيش، بلا حرية، ومن دون خيار سوى الهجرة، كما كان وكما سيكون. ولا يهمه من سيأتي رئيساً لجمهورية النفايات، المقبوض عليها من الداخل ومن الخارج. جمهورية “لعبة” داخل صراع مذهبي بين السعودية وإيران، يشعله خوف سعودي من أبعاد تشريع دولي لمسارات “الذرة” لإيران.
ويبقى سؤال: متى نفكّ القيد نحن؟ متى ندرك لو أننا حقاً من المؤمنين، كما يحلو لنا أن نصنف أنفسنا، ان “طاقة” الخالق الواحد، التي خرجنا منها كلنا، وكل الأكوان، وكامل نظام كوني طاقوي، يسجل حراك الكل، من أكبر كوكب حتى آخر نملة داخل الأرض، نظام عادل يردّ لنا من الطاقة نفسها التي نبث سلباً أو إيجاباً أثناء حراكنا الحياتي… متى ندرك أن لا فرق بين مسيحي ومسلم وبوذي وملحد، و… و… ومن لا يزال يبحث عن مغزى للوجود مقنع، فنطور مفهومنا لما ورثنا عن الانسان القديم، ونتأقلم مع كل آت يليق بالطاقة “المصدر” الواحدة، وكلنا منها… عندها سنعرف الحرية عن حق، ووحده الحق يحرّر.