قبلَ عمليّة شبعا، لم يَكُن هناك شَكّ في أنّ حزب الله لن يردّ على الاعتداء الإسرائيلي الأخير على كوادره في القنيطرة، بَل كانَ هذا الرَدّ متوَقّعاً. لكن بعد حصول هذا الردّ في مزارع شبعا، هناك شَكّ كبير في أن ترُدّ إسرائيل عليه.
يستشفّ المراقبون من كل المواقف والبيانات والتسريبات التي صدرت عن اسرائيل، إثر عملية شبعا، انّ اسرائيل لن ترد على هذه العملية وإن رَدّت فسيكون ردها محدوداً.
فعلى حد ما اعلن انّ الاجهزة الامنية الاسرائيلية تبحث في ما اذا كان حزب الله قد اكتفى بعملية شبعا بالردّ على غارة القنيطرة ام انه ستكون لديه ردود اضافية. فيما الاجتماع في وزارة الامن الاسرائيلية خلص الى انّ هذه العملية لن تؤدي بالضرورة الى حرب، وانّ الرد عليها اذا حصل سيكون مدروساً بحيث لا يتسبّب بحرب.
ولذلك، يُجمع المتابعون على انّ اسرائيل لن تذهب الى رد كبير في العمقين اللبناني او السوري يمكن ان يتسبّب بحرب اقليمية لأن ليس هناك من تغطية اميركية لمِثل هذه الحرب، بل انّ ادارة الرئيس باراك اوباما «الديموقراطية» اعلنت منذ البداية انها لا تريد حروباً جديدة في المنطقة وانطلقت تعالج ذيول الحروب التي شنّتها ادارة الرئيس جورج بوش الابن «الجمهورية»، وليست في وارد اتخاذ قرار بأيّ حرب او تغطية ايّ حرب يمكن لإسرائيل أن تُقدم عليها.
ثم انّ اوباما الذي بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو «ما صنعه الحداد»، ليس في وارد تعويم الاخير انتخابياً من خلال ايّ حرب، خصوصاً بعدما تصاعد الخلاف بينهما أخيراً على خلفية الزيارة التي خطط نتنياهو للقيام بها الى الكونغرس الاميركي في آذار المقبل من دون الحصول على موافقة البيت الابيض المسبقة عليها، حيث انه يريد أن يعتلي خلالها منبر الكونغرس الاميركي ذا الغالبية الجمهورية ليهاجم سياسة أوباما.
وأكثر من ذلك لن يكون أوباما في وارد تغطية ايّ حرب اسرائيلية في هذه المرحلة، خصوصاً بعدما تحسنت شعبيته أخيراً في الداخل الاميركي في ضوء تقدّم المفاوضات بين الادارة الاميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية في شأن الملف النووي الايراني، وقيادة تحوّل في السياسة الاميركية في اتجاه اتخاذ خطوات فعّالة في مجال مكافحة الارهاب، في الوقت الذي بدأت ترتفع اصوات اميركية كثيرة عبر وسائل الاعلام وخارجها تدعو الى تعاون وثيق مع الرئيس السوري بشار الاسد لمواجهة القوى الارهابية والمتطرفة.
وأكثر من ذلك فإنّ أوباما وفي ضوء محادثاته الاخيرة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد مهّد الطريق للوصول الى الاتفاق المنشود مع ايران حول ملفها النووي، بعد تذليل التحفّظ السعودي وحصره في الزاوية الموقف الاسرائيلي الرافض هذا الاتفاق والداعي الى توجيه ضربة عسكرية لإيران. فوفق ما سرّب مسؤول اميركي عن المحادثات بين أوباما والملك سلمان «لم يعبّر عن تحفظات في شأن المحادثات النووية الأميركية مع ايران، لكن قال إنه لا ينبغي السماح لطهران بإنتاج أسلحة نووية».
ويرى المراقبون انّ هذا الموقف السعودي يسهّل الإتفاق على الملف النووي الايراني في محطتي آذار وحزيران المقبلين، فعدم التحفظ السعودي يعني موافقة مبدئية على هذا الاتفاق، والمطالبة بعدم السماح لطهران بإنتاج سلاح نووي مستجابة أصلاً لأنّ ايران أبلغت بالملموس الى الدول المعنية والى الوكالة الدولية للطاقة الذرية انّ برنامجها النووي هو للأغراض السلمية فقط، وانها ليست في وارد تصنيع اسلحة نووية يحرّمها الشرع الاسلامي، وهناك فتاوى أصدرها مرشد الجمهورية الاسلامية السيّد علي خامنئي بهذا المعنى.
ولذلك، يتوقع المراقبون ان يكون ما عبّر عنه الملك سلمان لأوباما توطئة لتلاق سعودي – ايراني قريب من شأنه أن يفعّل التواصل الجاري بين الجانبين بعيداً من الاضواء، على حد ما يقول متابعون للعلاقة بين الرياض وطهران.
ويؤكد هؤلاء المراقبون انّ اسرائيل لن ترد على عملية «شهداء القنيطرة» في مزارع شبعا، على رغم انها لن تستطيع هضم نتائجها بسهولة. ولذلك، يتوقع أن يتمّ احتسابها «واحد الكل» لأنّ الذهاب الى «2-1» سيطلق لعبة عضّ أصابع مفتوحة، خصوصاً انّ لحزب الله الحق بمجموعة ردود على اسرائيل منذ اغتيال القائد العسكري عماد مغنية عام 2008.
ولذلك، يرى المراقبون انّ السقف الاقليمي- الدولي يستطيع ان يحسم النزاع عند نقطة التعادل، لكن لبنان ينبغي ان يكون حذراً حيال التسريب الاسرائيلي الذي ينمّ عن عدم رغبة في الرد، لأنّ نتنياهو يشعر بأنه مجروح، لأنه عندما نفّذ اعتداءه في القنيطرة على مجموعة كوادر حزب الله والضابط في الحرس الثوري الايراني علي الله دادي، وضع نفسه في موقف اعتقد انه لن يصل اليه، إذ ظن انّ حزب الله سيهضم الضربة، فإذا بالحزب ينفّذ هجومه في شبعا ويعلن البيان الرقم «واحد»، ما يعني انه وجّه للإسرائيلي رسالة مفادها انّ لديه البيان الرقم 2 و3 اذا ردّ على عملية شبعا، لكن من المستبعد حصول مثل هذا الرد.