نجح مجلس الوزراء في احتواء عملية مزارع شبعا بخلفية الحرص، الذي احتوى على أساسه حزب الله واسرائيل معركة المزارع عملاً بمعادلة واحدة بواحدة، وكفى الله المتحاربين شرّ مواصلة القتال.
فقبل الدخول الى قاعة مجلس الوزراء كانت التفاهمات سبقت الجميع: لا تصريحات قبل الدخول، ولا بعده… وما يقال في القاعة يبقى في القاعة، وأي كلام لأي وزير أو مشروع وزير يعكس رأي قائله وحسب.
ويبدو ان الرئيس تمام سلام تعلّم من سقراط ان من يجعل نفسه أقل أهمية مما هو في الواقع، يتاح له العمل باجماع الآخرين….
فالى جانب الصبر والتواضع وطول البال، تمكّن حصر موقف مجلس الوزراء من عملية مزارع شبعا بالمبادئ العامة المتفاهم عليها: التأكيد على الالتزام بالقرار ١٧٠١ وبسياسة النأي بالنفس، وبالتالي ادانة العدوان الاسرائيلي على الأراضي اللبنانية وعلى القوات الدولية التي خسرت جندياً من الكتيبة الاسبانية.
ولو أتيح السجال بين الوزراء حول ماذا كان يفعل حزب الله في القنيطرة، ولماذا ردّ على اسرائيل في مزارع شبعا، وليس حيث كان العدوان، واستطراداً العودة الى السؤال عن قرار الحرب والسلم في لبنان ولمن يكون؟ لما انتهت الجلسة على خير…
لقد غلّبت الحكومة بأكثرية وزرائها التضامن على التناحر والوحدة على الانقسام، فالكل يعرف الحنّة وأثرها، ولماذا حزب الله في سوريا، ولماذا الضرب في القنيطرة والرد في مزارع شبعا؟ لأنك اذا شئت ان تطاع عليك أن تطلب المستطاع، والمستطاع في الظرف الاقليمي الراهن، هو ان تظهر حقك وتتركه، ريثما يدرك الطرف الآخر، انه يسلك طريقاً وعراً، سبقه غيره اليه ولم يصل الى أي مكان…
لقد بلغ سوء الفهم ذروته بين من يقلبون المصطلحات على ظهورها كالسلاحف، وبين من يتعاملون مع الواقع بمنطق وعقلانية.
وعلى المستوى السياسي، اتفق المتحاورون على ان لا يوقفوا الحوار برغم اختلاف النظرة الى ما حصل، أكان في القنيطرة أو من مزارع شبعا، فتيار المستقبل على موقفه من متابعة الحوار مع حزب الله بمعزل عن رفضه جعل مزارع شبعا كيس ملاكمة لتتلقى ما هو مفروض في مكان آخر، والقوات اللبنانية، كشفت بلسان رئيسها الدكتور سمير جعجع انه في الحوار مع التيار الحر لم نستطع التفاهم على شيء ما بخصوص عملية حزب الله المضروب في القنيطرة والضارب في مزارع شبعا، لكنه لم يتحدث عن تعليق الحوار القائم.
التيار الحر رأيه مناقض تماماً، فهو يرى ان المهاجم في شبعا لبناني والأرض لبنانية، ونطاق العملية خارج دائرة عمل القوات الدولية، وبعيداً عن اطار القرار ١٧٠١ والمحتل صهيوني والحصيلة اصابات في صفوف الاسرائيليين، كما ان الرد الاسرائيلي اقتصر على بعض الأحراج، فلماذا التردد في الترحيب…
ويضيف النائب جنبلاط الى هذا الاشارة ان النقطة التي استهدفت فيها القافلة الاسرائيلية، يمكن أن تكون سورية… وهذا القول تردد في أكثر من مكان كون الحدود اللبنانية – السورية ليست محسومة في هذه المنطقة، وبرغم إلحاح لبنان في مرحلة ترسيم الخط الأزرق مع اسرائيل عبر الأمم المتحدة، فقد رفضت دمشق توقيع خرائط تؤكد النسب اللبناني لهذا الجزء من المزارع، لكنها تعترف بذلك مشافهة…
وقصة هذه البقعة من المزارع قصة، فاسرائيل تدعي انها عندما احتلتها عام ١٩٦٧، كانت تحت سيطرة الجيش السوري، ولبنان يؤكد ان الجيش السوري تقدم الى هذه البقاع من زمن القيادة العربية المشتركة، ولضرورات خطط هذه القيادة، والحكومات السورية تعترف بأن هذه الأرض لبنانية في البيانات والتصريحات، لكنها تتجنّب تكريس هذا الاعتراف على الورق، ولهذا ترفض اسرائيل اعتبارها مشمولة بالقرار الدولي ٤٢٥ الذي نصّ على انسحابها من الأراضي اللبنانية…
هنا يمكن أن تضعف حجّة المعترضين على انتقاء مزارع شبعا للرد على ضربة القنيطرة، لكن هذا الضعف يعوّضه السؤال الكبير عن مرجعية الحرب والسلم في لبنان، وهل في لبنان حكومة، بمعزل عن وهن الدولة؟ أم مجلس وزراء فخري؟
البعض يعود الى صيغة الشعب والجيش والمقاومة، واذا كان هذا صحيحاً فأي دور للجيش اللبناني في هذه العملية؟..
الجواب على هذا وعلى غيره أيضاً يمكن سماعه من السيد حسن نصرالله اليوم…