IMLebanon

عدوّ واحد!

لا يراعي المسؤولون الروس حلفاءهم الممانعين، في علاقاتهم مع إسرائيل وفي إظهار التمسك بتمتينها وتطويرها على كل المستويات.. وفي ذلك يتمم قول رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف في تل أبيب أنّه يشعر وكأنه في بيته، كلام رئيسه و«مكتشفه« من أيام بلدية سان بطرسبورغ فلاديمير بوتين، بأنّه «يستلهم» تجربة اسرائيل ضد الارهاب، في حربه ضد «الارهابيين السوريين».

والأمر غريب بالفعل. إلا إذا كان الروس يعرفون سلفاً، أن أمر علاقاتهم مع إسرائيل وتطويرها ووضعها في موضع الأساس فوق كل الحسابات الهامشية، لا «يحرج» في الواقع منظومة الفاتكين بثورة السوريين! طالما أنّ الحقيقة صارت في مكان آخر. وهذه تقول صراحة ومواربة، ومباشرة وبالواسطة، وبالسرّ وبالعلن، أن صدارة العداء عند هؤلاء وفي أجندتهم، تحولت من «الصهاينة المحتلِّين» الى المكوّن العربي والإسلامي الأكثري، من السعودية الى تركيا! وواكب أمر مركزي ذلك التحوّل الفرعي تمثّل بإسقاط كل شعارات التصدي والتحدي لـ«الشيطان الأكبر» وما تفرّع منها وعنها من أدلجات وممارسات وتناقضات صغرى وكبرى!

روسيا دولة كبرى وصاعدة و»عائدة». وطبيعي جداً أن تفلش مروحة علاقاتها وفق منطق مصالحها الاستراتيجية والكبرى خارج فذلكة التعبئة المؤدلجة لـ»اليسار الدولي« الذي كانت ترعاه «دولة العمال والفلاحين» في الامبراطورية السوفياتية السابقة.. بل الواضح ان رأس السلطة في الكرملين فنان براغماتي من طراز رفيع، ويعرف أن علاقاته مع إسرائيل «أثمن» له ولسلطته في داخل بلاده، من مجمل علاقاته مع «حلفائه» الممانعين من طهران الى طرطوس!

لكن، إذا كان ذلك كلّه جزءاً من طبائع الأمور والعلاقات الدولية، فإن ما ليس طبيعياً ولا منطقياً هو أن تبقى أبواق الممانعة على خرسها وتطنيشها إزاء هذا المعطى! ثم إزاء معطيات خطيرة وكبيرة تتصل بقيمها المدّعاة، وبشعاراتها وسياساتها.. وهذه تبدأ من واقعة التنسيق المفتوح على مدار الساعة بين قواعد الروس في سوريا وغرف العمليات العسكرية الإسرائيلية والذي يعني بوضوح ليزري أنّ كل خطوة ميدانية ضد المعارضة السورية تطلع عليها إسرائيل سلفاً! وتحظى بموافقتها المسبقة تحت لافتة تجنّب حصول أي طارئ أو خلل أو إشكال بين عسكرها وعسكر الفاتح الروسي!

وإذا كان هناك هامش ما (غير أخلاقي في كل حال) يسمح لجماعة الممانعة بالتطنيش عن تلك الواقعة الخطيرة، فإن مسألة «محاربة الإرهاب» ضيّقة وحساسة ولا تسمح بأي زوغان: إسرائيل تعتبر «حزب الله» إرهابياً مثله مثل «داعش»! وبنيامين نتنياهو عاد ليؤكد ذلك بالأمس أمام ضيفه ميدفيديف.. وبوتين من جانبه يقول انه «يستلهم» حربها ضد «الارهابيين» (أي حزب الله تحديداً في هذه المرحلة!) في حين أن طيرانه الحربي يشتغل كسلاح جو لمقاتلي الحزب وغيره من الميليشيات المذهبية الموصولة بإيران في سوريا!

صورة معقّدة وصعبة، لكن ما يكسّر عقدها ويسهّل فهمها هو الافتراض المنطقي بأن ما سلف يعبّر عن تناقض ثانوي عابر لا يؤثر في الموقف الموحّد الذي يجمع كل هؤلاء: العداء المفتوح والعاري للمكوّن العربي والإسلامي الأكثري في سوريا وغيرها! أم ماذا؟!!