على الرغم من كل هذا اللغط الذي يطفو على السطح السياسي بين الحين والآخر، فان الوضع العام في لبنان لا يدعو الى القلق، لا سياسيا ولا عسكريا ولا أمنيا، ربما باستثناء الوضع الاقتصادي الذي يحتاج الى معالجة عن طريق الجراحة! صحيح أن النبرة كانت عالية لدى البعض، مع ما رافق الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، في شأن العلاقات مع سوريا، ولكن الصحيح أيضا أن هذا الأمر كان غالبا هو الضيف الدائم على سرير المرض بين البلدين، قبل العام ٢٠١١ تاريخ اندلاع الأحداث في سوريا، وبعده. وقبل العام ٢٠٠٥ تاريخ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبعده، رجوعا الى الوراء والى تاريخ استقلال البلدين عن الانتداب الفرنسي!
***
اشارتان تدعوان الى الثقة والاطمئنان، سياسية وعسكرية. سياسيا، ومع بزوغ نجم هذا العهد، وُجدت حكومة الرئيس سعد الحريري لتبقى، وتستمر الى تاريخ اجراء الانتخابات النيابية العامة، على أساس القانون النسبي الجديد، في أيار / مايو من العام المقبل. ويبدو أن الأطراف كلها متوافقة بثبات ضمنا – الى درجة التواطؤ! – على المحافظة على الاستقرار اللبناني، وعدم المغامرة بتعريضه الى الاهتزاز، تحت أي ظرف. ولهذا السبب لن يذهب أي طرف، مهما بلغ الضجيج الذي يثيره، الى حدّ تحمّل مسؤولية إشعال عود الثقاب!
***
صحيح أن سياسة النأي بالنفس هي النهج المعتمد لدى الحكومة رسميا وعلنا… ولكن تعقيدات الواقع اللبناني فرضت واقعا جديدا يقضي بتطبيق النأي بالنفس بأسلوب الانفصام السياسي! أي أن كل فريق في الحكومة يتصرّف بوحي ما لا يتعارض مع مواقفه السياسية، في مقابل أن يعتمد الطرف الآخر سياسة التطنيش، أو تبادل التمريرات من تحت الطاولة، ودون أن يصل الأمر الى حدّ الصدام، والمغامرة بهزّ الوضع الحكومي. وأسلوب الانفصام السياسي هو صيغة معدّلة ومتطورة لمقولة حارة كل من إيدو إلو! وهو وضع سيستمر على هذه الحال الى حين اجراء الانتخابات النيابية المقبلة، أو احتمال ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المنطقة!
***
عسكريا، وعلى الرغم من كثرة المنظرين حول معركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من داعش والارهاب، فان الجيش اللبناني وقيادته هما الأدرى بشعاب هذه المعركة، وأسلوب حسمها لمصلحة لبنان وسيادته. واثارة قضايا جانبية مثل التنسيق مع أية جهات أخرى، لن يقدّم ولن يؤخّر في طبيعة الخطوات التي سيتخذها الجيش للانتصار الحاسم في المعركة. وفي علم الجغرافيا والعلم العسكري ان ساحة هذه المعركة في جرود رأس بعلبك والقاع، هي في حقيقة الأمر، جبهة واحدة في دولتين!