حين يتصدّر بنيامين نتنياهو وأحمد داود أوغلو، مليونيّة باريس ضد الإرهاب؛ يكون السؤال مشروعاً، بل ملحاً، عن غياب بندر بن سلطان وأبو محمد الجولاني وزهران علّوش، عن المسيرة «الجمهورية» للتضامن مع محرري ورسّامي صحيفة «شارلي أيبدو»؛ مئات الألوف من الفرنسيين البسطاء المذعورين المفجوعين، نزلوا إلى الميادين، دفاعا عن نمط حياتهم، وإصرارا على القيم الجمهورية، في تحدٍ جماهيري للإرهابيين ــــ الأدوات؛ إنما يغدو المشهد كاريكاتوريا، طالما أنهم يصطفّون وراء الإرهابيين ــــ القادة، وفي مقدمهم فرنسوا هولاند.
تابع هولاند، بإلحاح أكبر، سياسات سلفه نيكولا ساركوزي، القائمة على استخدام الجماعات التكفيرية الإرهابية لتحقيق أوهام استعادة الاستعمار الفرنسي في سوريا؛ المخابرات الفرنسية استنفرت، منذ 2011، كل قواها، لتصنيع وتأهيل وتلميع معارضين سوريين مرتبطين بها، أنفقت أموالا، وهربت أسلحة، وقدمت الدعم السياسي والإعلامي للمسلحين في سوريا، وتمنعت، علناً، عن منع المجاهدين الفرنسيين من السفر إلى تركيا فسوريا؛ ذلك أن باريس «لا تستطيع أن تمنع مواطنيها من المشاركة في القتال في سبيل الحرية»! ورغم كل التحولات، حتى في المواقف الأميركية والأوروبية، الأكثر براغماتية، ظلت باريس متمسكة بهدف اسقاط الدولة السورية، بأي ثمن… يدفعه الشعب السوري؛ لكن، كان ما سوف يكون بالضرورة، صار على الفرنسيين أن يواجهوا، هم أيضا، القتل على أيدي الجماعات التي دعمها حكّامهم.
في ليبيا، كانت فرنسا هي الأفعى الأكثر نشاطا وسمّا؛ «المفكر الغربي»، برنار هنري ليفي، وجد أذنا صاغية لدى ساركوزي: «هذه فرصة فرنسا»! ومن جهته، «المفكر العربي»، عزمي بشارة، هاج وماج وراء التدخل القَطري لإسقاط العقيد معمر القذافي؛ لا تنسوا، هنا، «المفكر التركي»، أحمد داود أوغلو… وتركيا، وحلف الناتو، بقيادة خلفية من الولايات المتحدة: هجوم «ديموقراطي» شامل؛ الطائرات في السماء والإرهابيون على الأرض؛ ولغوا في الدم الليبي، دمّروا البلد، وتركوها لصراع الجهاديين، مفككة، منهارة، وثلث سكانها مشردون، بينما تقترح فرنسا، تدخلا عسكريا وتمنّي المتقاتلين: سنعترف بمَن يسيطر على الحقول النفطية!
لا نريد استعادة الماضي الاستعماري الفرنسي الطويل، بكل جرائمه الأكثر بشاعة على مر التاريخ؛ فقط، نتذكر أن دور فرنسا في السنوات الأربع الكئيبة لما يسمى «الربيع العربي»، كفيل بوصمها كدولة إرهابية؛ لا نتحدث عن إرهاب الدولة فقط، بل عن دولة تستخدم الإرهابيين كأداة في السياسة الخارجية؛ الآن، الوحش يبدأ بنهش صاحبه. وهو ما يحتاج إلى تضامن عالمي مع أحد صانعي الوحوش الإرهابية!
فرنسا تثير الشفقة حقاً؛ فكل مؤامراتها وتدخلاتها وجرائمها والأثمان التي تدفعها لقاء سياساتها الوحشية، لن تنشلها من وضعها الدوني كدولة من الدرجة الثانية؛ ففي النهاية، سيأتي الأميركي، بما لديه من قدرات وبراغماتية، لكي يحصد نتائج أعمال الحلفاء الصغار، فرنسا وتركيا والسعودية الخ
حتى بنيامين نتنياهو، جاء إلى فرنسا، لكي يحصد نتائج سياساتها؛ يريد، بالمناسبة، تشليح هولاند، مواطنيه اليهود الفرنسيين؛ فلا يوجد مكان آمن لليهود، في العالم كله، سوى إسرائيل، الدولة اليهودية. هولاند يرفض، (ولم نعرف، بعد، رأي برنار ليفي الفرنسي اليهودي)، لكن مئات الإرهابيين الذين أرسلهم إلى سوريا، سيعودون، ويقدمون خدمة ترويع اليهود الفرنسيين لحليفهم الاسرائيلي؛ هذا ما سيفعله، على الأقل، أعضاء «جبهة النصرة» المدينة لتل أبيب بالكثير: المعلومات الاستخبارية، والدعم الناري، ومعالجة الجرحى.
بتعامله مع إسرائيل، ووقوفه ضد «داعش»، أثبت أبو محمد الجولاني، أنه «معتدل»، الائتلاف السوري يشهد بذلك أيضا؛ إلا أن القرار الأممي الخاطئ باعتبار «النصرة» إرهابية، حال دون حضور الجولاني، مليونية باريس؛ لكن كان على السعودية أن ترسل إلى عاصمة النور، رجلها المناضل ضد الإرهاب، زهران علّوش، أو حتى رئيسه، بندر بن سلطان؛ عندها كان مشهد المسيرة الجمهورية ضد الإرهاب، قد اكتمل!
المهم أن «داعش» كانت حاضرة في باريس؛ صحيح أن الخليفة ابو بكر البغدادي لم يحضر شخصيا، ولكن الجناح السياسي لـ «داعش»، حضر، ممثلا برئيس وزراء تركيا، أحمد داود أوغلو؛ هل هناك خلاف بين الجناحين الداعشيين، أم أنه مجرد توزيع أدوار؟ هذا ما سنعرفه في 18 شباط المقبل، حين يعقد الأميركيون، المؤتمر الدولي ضد الإرهاب؛ هناك، سيكون جون ماكين ــــ صديق البغدادي ــــ في صدارة المؤتمرين، وسيأتينا بالخبر اليقين.
بلغت العواصم الغربية أدنى درجات الانحطاط في تاريخها؛ فعجزها عن الحرب، يفرض عليها التحالف العضوي مع التكفيريين الطائفيين الإرهابيين، سلاحها الأقوى والأرخص لتدمير المتمردين من العالم العربي إلى إيران إلى روسيا؛ أتتوقعون أن تظلوا في مأمن أيها الفرنسيون والغربيون؟ نخب مليونية البلهاء!