ليس من حصيف إلاّ ويفترض بأن جملة تامة واحدة من واشنطن كافية للجم رئيس سوريا السابق بشار الأسد، ومنعه من الاستطراد الاستعراضي.. وتذكيره مواربة ومباشرة بأنه صفر على الشمال، وأن الكلام الكبير الذي يطلقه في نوباته المتلفزة لا يحتاج جدياً وواقعياً وعملياً ونفسياً وإعلامياً، سوى إلى رشقة لفظية ردعية واحدة ومختصرة.. ومفيدة!
من ذلك مثلاً، أن يقول جنرال من واشنطن، رداً على «تهديدات» الأسد التي طالت الوجود العسكري الأميركي المباشر في شرق الفرات وحلفاء ذلك الوجود من «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) «أن على أي طرف منخرط في سوريا أن يفهم بأن مهاجمة القوات المسلحة الأميركية أو شركائنا، ستكون سياسة سيئة للغاية»..
والجملة الأميركية هذه، «تنطّ» فوق الأسد وبالكاد تلحظه.. بل هي شاملة «لأي طرف» منخرط في سوريا! واستباقية تخاطب النيّات قبل الأفعال! بحيث أن الفهم مطلوب قبل الفعل، بأن التبعات «ستكون سيئة للغاية» لأي تعرّض للأميركيين وحلفائهم الأكراد تحديداً!
ويعرف «المنخرطون» في حرب سوريا ذلك. وسبق أن خبروه في محطتين كبيرتين. الأولى عند محاولة التقدم باتجاه قاعدة التنف أواخر العام الماضي من قبل ميليشيات إيرانية – أسدية وجرى وقفها عبر استهدافها مباشرة. والثانية، عند محاولة مجموعات روسية غير نظامية التقدم باتجاه شرق الفرات قرب دير الزور وجرى «وقفها» وإيقاع خسائر بشرية فادحة في صفوفها (مطلع شباط الماضي).
أي أن التحذير الأميركي الجديد دقيق وجدّي. وأولى مقوّمات ذلك أنه لا يوجّه الكلام مباشرة إلى الأسد لأن التهديدات التي أطلقها أكبر بكثير من واقعه وإمكانياته، ولأنه فعلياً وعملياً لم يعد قادراً سوى على «التعفيش». بل يوجهه إلى كل من يعنيه الأمر! وإلى من هو صاحب أمر لا يزال! علماً أن من تنطبق عليه هذه التوصيفات ليس في وارد الاصطدام المباشر بالأميركيين (مثل الطرف الروسي) أو ليس قادراً على تلقّف تبعات المغامرة، وإن كانت غير مباشرة، طالما أنه مضغوط على الآخر من قبل الإسرائيليين (مثل الطرف الإيراني).
.. بل واقع الحال يفيد، بأن تنكّب جنرال أميركي في «البنتاغون» مهمة «الردّ» على كلام قاله رئيس سوريا السابق هو لزوم ما لا يلزم! ومثير لبعض الاستغراب. باعتبار أن واشنطن تعرف يقيناً الأرض وما عليها وما تحتها! وتعرف أن الأسد فشل حتى في وظيفة الناطق باسم حُماته في طهران أو في موسكو! وإن المواقف التي أطلقها في حديثه المتلفز الأخير ليست في جملتها سوى تشبيح لغوي، ولا تعبّر حقيقة عن توجهات الروس وتكتيكاتهم، ولا عن «إرادة» الإيرانيين ولا عن واقع حالهم في هذه الأيام! ولا عن إيثارهم «السترة» حتى إزاء الضربات الإسرائيلية المباشرة ضدهم!
أي أن الأسد يكذب حتى على حاله! ويحاول أن يظهر وكأنه بالفعل لا يزال صاحب قول! وقرار! وقدرة على مواجهة الأميركيين! أو على استكمال الزحف لـِ«تحرير» كل سوريا! في وقت يتقاسم «كل المنخرطين» الخارجيين بهذه النكبة الأرض والنفوذ والخرائط! ويلتقي «معظم» هؤلاء عند نقطة تقاطع كبيرة هي إنهاء «النفوذ» الإيراني المباشر وغير المباشر!
.. لو يكفّ عن الكلام الأكبر منه ويكتفي بإدارة «معارك التعفيش» فقط! بل أن يحاول الركّ لاستعادة هذه الإدارة بعد أن بهدلت الشرطة العسكرية الروسية «وحدات التعفيش» التابعة له، ومسحت بها الأرض في شوارع دمشق نفسها؟