التفسير الميداني المباشر والوحيد للكلام الذي قاله رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بعد لقائه فلاديمير بوتين في موسكو أمس، هو أن المشهد الآيل الى التشكل التام في سوريا صار يتضمن جبهة مقاتلة واحدة تضم روسيا وبقايا السلطة الأسدية وايران و»حزب الله».. وإسرائيل!
المشهد سوريالي في التوصيف، لكنه حقيقي وواقعي، ولا يحتاج الى تزويق ولا تلزيق ولا خوازيق «فكرية».. نتنياهو قال حرفيًّا: «اتفقت مع بوتين على وضع آلية تنسيق للقوات الروسية والاسرائيلية في شأن سوريا». ومن دون أدنى (أو أعلى) شك، فإن هذه الآلية موازية، أو بالأحرى، متممة لواحدة موجودة أصلاً بين العسكر البوتيني والعسكر الأسدي والايراني.. أي ان الجميع، يتخندقون في النتيجة، في «خندق واحد» ضد «عدو» واحد اسمه الحركي الارهاب الداعشي، واسمه الحقيقي «الثورة السورية»!
قد تكون هذه القراءة محكومة بنوازع الغضب من هذا التكالب على الفتك بالأكثرية السورية الثائرة والقانعة سواء بسواء، لكنها تستند الى وقائع منشافة وملموسة ولا تذهب على مذاهب أهل التحريف والتخريف والتأليف الذين طوّشوا العالم بخبرياتهم عن محاربة الارهاب «المتحالف» مع اسرائيل! والمقصود، عندهم، بذلك الارهاب، ليس «داعش» ولا «النصرة»، بل الأصل العام للثورة السورية منذ بداياتها، حيث تبنى المحور الايراني الرواية الأسدية عن «العصابات الارهابية» منذ أول يوم انطلقت فيه التظاهرات التأسيسية في درعا!
و»آلية التنسيق» الاسرائيلية _ الروسية هذه تتناسق تماماً مع آلية ذهنية مركزية في طريقة تفكير بوتين، وفي مقوّمات صنع القرار عنده.. وحدهم شبيحة البيان الأسدي تغاضوا عنها وتعاموا عن تفاصيلها ونتائجها، وآثروا التطنيش المخزي عن وقائعها، التي منها، عدم إزعاج إسرائيل إزاء، أي موقف أو خطوة! أو عدوان! أو استفزاز! أو استيطان! أو قمع. وآخر علامات ذلك، كانت حرب غزة الأخيرة، التي ارتكبت فيها إسرائيل مجزرة فعلية في القطاع كان من بين ضحاياها أكثر من 500 طفل فلسطيني!
بيان واحد من موسكو لإدانة إسرائيل لم يصدر! تظاهرات التنديد بالإجرام الاسرائيلي شملت تقريباً كل عواصم أوروبا إلا موسكو! عشرة أشخاص لم يتجمعوا فيها استنكاراً أو إدانة أو رفضاً! حملات المقاطعة للصادرات الاسرائيلية وخصوصاً الآتية من المستوطنات، وصلت الى أماكن كثيرة، لكنها لم تخرق الجدار البوتيني، ولم تصل الى دكان واحد!
إذا كان القيصر الباحث عن إحياء قيصريّته عبر الشيشان والقُرم وسوريا وغزّة، يعرف شروط الإحياء تلك «ويلتزم» بها، ولا يجد سوى «دماء إسلامية» لإعادة نفخ الروح في امبراطوريته الموءودة، (وفي أفغانستان الاسلامية بالمناسبة!)، فماذا عن الجانب الممانع اللابس قناعين: قناع الإسلام الإيراني، وقناع «مقاومة» إسرائيل وصولاً الى التوعّد بمحوها عن الخريطة؟! وعلى الطريق الى ذلك لا يتورّع عن تشغيل مطابعه وجعلها محاكم تفتيش تصدر قرارات وتوزّع بطاقات أحكامها وتحدّد هي وحدها من هو العميل الصهيوني ومن هو الممانع!
الأكيد هو أن بوتين لا يشعر بأي حرج في جمع الممانعين والاسرائيليين في خندق واحد دفاعاً عن الأسد، لكن ماذا عن محور الممانعة!؟ والى أي حد يمكن أن يذهب بعد تدمير سوريا والفتك بشعبها؟! أم ان «حلف الأقليات» أقوى من أي شيء آخر؟!!