بحلول فجر اليوم الأول من تشرين الأول لهذا العام تكون قد مرت سنة على التدخل الروسي في سوريا عندما استيقظ أهالي الساحل السوري على هدير «عاصفة السوخوي» التي أبعدت صواريخ المعارضة وجحافلها عنهم. وانتعش النظام باحتفاظه بأغلى مناطق سوريا المفيدة. وعليه ما الذي حققته موسكو وجنته في عام؟ وهل صحيح أنّ الرئيس بشار الأسد وحده مَن يمكنه الإحتفال بالذكرى؟
يعترف مسؤولون لبنانيون ومعهم ديبلوماسيون مقرّبون من النظام السوري وحلفائه أنّ التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية الذي سجّل أولى خطواته العسكرية فجر الأول من تشرين الأول من العام الماضي جاء في أدق توقيت سياسي وعسكري، فوضع حداُ مفاجئاُ للإنهيار الذي كان متوقعاً للنظام وحلفائه في الساحل السوري وعلى أبواب دمشق خلال أسابيع أو أيام قليلة فقلب الأوضاع رأساً على عقب.
ويستذكر هؤلاء سلسلة العمليات العسكرية التي سبقت التدخل، فذكرت بوصول مجموعات من قوات المعارضة الى التلال الساحلية المطلّة على القاعدتين البحرية الروسية في طرطوس والجوية السورية في حميميم التي كانت قد تحولت قبل أيام قليلة الى نواة قاعدة جوية روسية حطت فيها مجموعة من طائرات «السوخوي» عدا عن المنشآت التابعة لها لوجستياً وعسكرياً.
تزامناً كانت وحدات أخرى من المجموعات المعارضة قد احتلت منطقة استراتيجية تمتد من سهل الغاب الى جسر الشغور في ريف ادلب وبوابتها لجهة شمال شرق الساحل السوري وتجاوزت أخرى خطوط الدفاع السورية من الشمال – الشرقي الى الغربي وصولاً الى بلدتي سلمى في ريف اللاذقية الأوسط وشمالاً الى كسب المطلة على الحدود التركية.
ولا يمكن لأحد منهم أن ينسى أخطر خرق حققته المعارضة في «معركة الأنفال» بوصولها الى منطقة «رأس السمرا» التي شكلت رأس جسر بحري ولو لأيام قليلة وعممت المكاتب الإعلامية التابعة للجيش السوري الحرّ يومها صوراً عن مجموعات المعارضة تبلّل أرجلها وتلهو بمياه البحر المتوسط بعد إسقاطها لمناطق كسب و«تلّة الـ54» و»تلّة النسر» وصولاً إلى راس السمرا.
وما هي سوى أيام حتى استعادت القوات السورية النظامية وحلفاؤها المبادرة بالهجوم وبدعم روسي جوي فعادت الى أرياف اللاذقية وخاضت معارك جبل التركمان وسلمى وكسب ومحيطها وصولاً الى الحدود مع تركيا.
ليس وارداً في الذكرى الأولى للتدخل الروسي في سوريا إجراء جردة بالتفاصيل العسكرية ويومياتها الطويلة. ولكن يكفي القول إنّ روسيا التي تعهدت بأنّ عمليّتها لن تمتد أكثر من مئة يوم رأت نفسها متورّطة في الأشهر التي تلتها بعمليات امتدت لاحقاً الى محيط العاصمة السورية لمنع إسقاطها ولسنة كاملة حتى اليوم.
لذلك خاضت روسيا بمقاتليها ومقاتلاتها المتطوّرة وصواريخها البعيدة المدى التي إستخدمتها من بحر قزوين قبل أن تطلق مثيلاتها من المتوسط وصولاً الى استخدام القواعد الإيرانية الجوية لتقريب المسافات بين مواقع تمركزها وأهدافها في شمال وشرق سوريا.
واضطرت لاحقاً الى توسيع انتشار خبرائها الى جانب الجيش السوري وحلفائه في معارك ادلب وجسر الشغور وسهل الغاب قبل أن تخوض «معركة تدمر» وأرياف حمص الى أن أقامت فيها قاعدتها الجوية الثانية في مطار الشعيرات قبل أن تتفرّغ لمعركة حلب منذ شهور عدة وما زالت هناك تسعى الى استعادتها.
هذه المتغيّرات العسكرية والديبلوماسية دفعت روسيا الى المزيد من المشاركة في العمليات العسكرية فزاد انغماسها براً وبحراً وجواً، وإنشغلت ديبلوماسيّتها في تسويق استراتيجيتها الجديدة وتحصين مكتسباتها في سلسلة الترتيبات الأمنية التي تحدثت عن اتفاقات لوقف النار لأيام وأسابيع قليلة شكلت بالنسبة اليها مزيداً من الغرق في الرمال السورية الى أن عبرت عامها الأول من دون أيّ أفق يرسم ملامح الحلول السلمية التي تنهي دورها العسكري والذي تجاوزت كلفته ما كان يتوقعه القادة الروس في ظل معاناتهم الإقتصادية والعسكرية.
وبناءً على ما تقدّم، يعترف الديبلوماسيون المقرّبون من روسيا وحلفائها في سوريا أنّ موسكو لم تجنِ في سنتها الأولى والى اليوم ما كانت تتوقعه. وعلى عكسها فقد فوجئت ببعض النكسات أبرزها ناجم من خسائرها المالية والعسكرية التي لم تدفع روسيا مثيلاً لها منذ خروجها من أفغانستان والدول التي كانت تشكّل «الإتحاد السوفياتي» قبل استقلالها.
بالإضافة الى ما باتت تمتلكه المعارضة السورية التي تناهضها من أسلحة كاسرة للتوازن بدليل أنها أسقطت طائرات سورية وهدّدت الروسية بمزيد منها بعد إسقاط إحداها قبل فترة واعتقال طاقمها.
وفي الجردة السنوية لـ«عملية السوخوي» لا بد من قراءة سريعة لمفاعيلها وما جنته وما خسرته موسكو. ويمكن القول أوّلاً إنّ ما بلغته الكلفة المادية من الخزانة الروسية شكلت أعباء إضافية لا تحتمل.
وبدل الحسم السريع الذي حلمت به اضطرت الى خوض مواجهات ديبلوماسية وسياسية قاسية يبدو أنها بدأت بالإنهيار قبل أن تكتمل فصولاً. وما التهديدات الأميركية الأخيرة بآلية عمل جديدة لمقاربة الملف السوري بعيداً من التنسيق معها سوى مؤشر الى المصاعب الإضافية التي تنتظر موسكو قريباً.
وعليه، يبدو واضحاً أنّ موسكو وفي نهاية عامها الأول هي في مأزق يتجاوز كلّ توقعاتها وعلى أبواب مواجهة ديبلوماسية وربما عسكرية وسياسية مع دول الحلف الدولي والمعارضة السورية.
في وقت يمكنها القول إنها أنجزت بعضاً ممّا نوته. فمنعت سقوط النظام وتقسيم سوريا رغم الكانتون الكردي المهدّد في أيّ لحظة، كما منعت الفصائل السورية من تحقيق أحلام كثيرة سعت اليها في اتجاه المنافذ البحرية قبل أن تدخل في مواجهات بينية مع حلفائها السابقين، فتحوّل حلفاء الأمس من هذه المنظمات أعداء اليوم والعكس صحيح.
وما يعزّي القيادة الروسية أنها وإن لم تحقق ما أرادته الى اليوم، يمكنها القول إنّ دول الحلف أيضاً لا تستطيع أن تدّعي الإنتصارات. فالنظام ما زال قائماً و«داعش» ما زالت موجودة تتحكّم بأراض سورية وعراقية.
ولذلك كله، يخلص المراقبون الذين يتابعون التطوّرات الى القول إنّ هناك واحداً فقط يستطيع أن يحتفل بالذكرى السنوية الأولى للتدخل الروسي عن حق ومصلحة، وإن من دون جدارة، وهو النظام السوري. فهي الذكرى لتخليد دور مَن أمدّه بسبل التنفس بعد اختناق والبقاء والصمود. ولكن كيف؟ والى متى؟ فلننتظر!؟