Site icon IMLebanon

التأرجح بين الحضوري و«أون لاين»: الطلاب والأساتذة «لا معلّقين ولا مطـلّقين»

 

بعدما أظهر التعليم عن بُعد «فشله»، تتشبّث المدارس بكل يوم تعليم حضوري. لكن، «تسونامي» كورونا الذي يجتاح الصفوف يجبرها على التأرجح بين كفّتَي التعليم الحضوري و«الأون لاين»، وتترك الطلاب والأساتذة «لا معلّقين ولا مطلّقين»

 

«طنّشت» مدارس كثيرة إصابة طلابها بفيروس كورونا لتعوّض الفاقد التعليمي وضعف المستويات الذي مني به التلامذة بعد عامين دراسيين من التعليم عن بعد. فتابعت التدريس حضورياً، طالبة من «المكورنين» و«المخالطين» ملازمة بيوتهم. وفيما تشتدّ حدّة الأزمة الاقتصادية ويزداد عدد الطلاب العاجزين عن مواكبة التعليم عن بعد، «نقاتل من أجل المحافظة على استمرارية التعليم الحضوري لأن 30 في المئة من طلابنا، بحسب الإحصاء الذي أجريناه على مدارسنا الثلاث هذا العام، يفتقرون إلى مقوّمات التعليم الإلكتروني وخصوصاً الكهرباء والإنترنت»، كما يقول رئيس جمعية النور للتربية والتعليم هيثم أمهز. لكن مع بداية السنة الجديدة، لم يعد بإمكان المدارس المضيّ في سياسة «التطنيش» مع تفشّي الوباء في صفوفها، «فأجبرنا على إقفال الصفوف التي رصدنا انتشار العدوى فيها بشكل كبير، وأكثر من مرة خلال الشهر الماضي، حوّلنا الدروس إلى المنصات الإلكترونية لأيام لاحتواء الوباء».

 

هكذا يتأرجّح التعليم بين حضوري و«أون لاين»، ويتبلّغ الطلاب والأساتذة من دون سابق إنذار بتحويل الدروس من مرحلة إلى أخرى. فهل الأمور بهذه البساطة؟ «بالطبع لا»، تجيب أستاذة علم الاجتماع المعالجة النفسية ميسون حمزة، مشيرة إلى آثار تربوية ونفسية لهذا التحوّل. أولها «النقص في المعرفة بسبب عدم التوازن في تلقّي المعلومة بين نوعَي التعليم، كمّاً ونوعاً. بالإضافة إلى صعوبة ترسّخ المعرفة التي تحتاج إلى تكرار وتمرين متواصل». على الصعيد النفسي، «يعيش الطالب حالة من الضياع وعدم الاستقرار، وخصوصا الأطفال». وتروي «كيف تأثر بعض الطلاب في مرحلة الروضات والحلقة الأولى، مثلاً، بعد عودتهم من عطلة رأس السنة التي طالت لشهر لأنهم ظنّوا أنهم سينتقلون إلى صف جديد فتعطّل الإدراك والوعي لديهم مع تعطل الدروس».

يعي أمهز أن «التحوّل إلى التعليم عن بعد يعطّل المعرفة بنسبة لا تقلّ عن 50 بالمئة»، لكن، برأيه، «القليل أفضل من الحرمان». كما يدرك الأمين العام للمدارس الإنجيلية نبيل القسطا الأثر النفسي للمرحلة الحالية للتعليم، «فالطلاب وأهاليهم هلكوا من التغيير الدائم في طبيعة التعليم وما يصاحبه من قلق وتوتر. لذلك نركّز على الإرشاد النفسي في هذه المرحلة». لكن المدارس «مضطرّة»، بحسب القسطا، إلى أن «تحافظ على التعليم الحضوري من دون المخاطرة بصحة الطلاب وأهاليهم»… وإذا كان استسهال تحويل الصف بكامله إلى الفضاء الإلكتروني يؤثّر على الطلاب، فإنّ «التبعات الفكرية والذهنية والنفسية تشتدّ عندما يتابع الطالب دروسه من منزله وحده، فيما رفاقه يتلقّون التعليم حضورياً. عندها يشعر بأنه خارج المجموعة ومهمّش وخسر حقه في التفاعل، وخصوصاً إذا فقد الاتصال معهم، عدا عن أنه لن يتلقى المعلومة بشكل متساو»، بحسب حمزة.

 

التحوّل المفاجئ من الحضوري إلى التعليم عن بعد يؤدّي إلى عدم التوازن في تلقّي المعلومة

 

 

ليس الطلاب وحدهم من يتأثّرون بتعثّر التعليم، الأساتذة أيضاً ينالون حصّتهم. فالتنقّل المفاجئ بين الحضوري و«الأون لاين» «مميت»، بحسب معلمة الرياضيات زينب، لأنه «يحتّم علينا أن نظلّ كل الليل سهرانين لنعيد التحضير والاختبارات بما يتناسب مع التعليم عن بعد وإعداد المقاطع المصوّرة».

كيف يختلف المحتوى التعليمي بين نوعَي التعليم؟ «خلال التعليم عن بعد، يجب خلق محفّزات وإشراك الطالب أكثر في العملية التعليمية لشدّ انتباهه والمحافظة على تركيزه الذي يتأثّر بعوامل عدة. كما يجب تقسيم الأهداف وتقديمها بأكثر من طريقة لأن الطالب يفهم عن بعد أقل، ومن الصعب على الأستاذ أن يكتشف من لم يتلقّ المعلومة ولم يفهمها إذا لم يكن حاضراً فعلياً أمامه». ورغم أن التعليم عن بعد «أصعب من التعليم الحضوري لجهة الإرهاق والضغط النفسي الذي يسبّبه إعداد المحتوى التعليمي وتقديمه»، تقضم مدرسة زينب جزءاً من الراتب الشهري عند كل يوم تعليم عن بعد، علماً بأن الرواتب تآكلت إلى حدّ صار التعليم في لبنان بمثابة «حسنة» وليس عملاً.