كذبتان كبيرتان سيطرتا على المناخ السياسي والإعلامي المحيط بالنكبة السورية منذ مطلع هذا العام تحديداً. الأولى هي أن القيادة الروسية وإدارة باراك أوباما تريدان «حلاً سياسياً» طالما «لا حلّ عسكرياً»! والثانية أن موسكو «تختلف» مع طهران على الكثير من التفاصيل والعموميات المتّصلة بتلك النكبة.
يتبيّن اليوم، أن العالم بأسره كان شاهداً (ولا يزال غاشياً!) على واحدة من أكبر عمليات الدجل والتآمر في التاريخ الحديث: لا إدارة أوباما كانت في وارد الوصول إلى «حلّ سياسي» طالما أن ذلك يعني اصطداماً حتمياً وغير مرغوب ولا مطلوب مع الإيرانيين، باعتبار أن الموضوع النووي، هو الأولوية بالنسبة إلى تلك الإدارة، ولا ضير عندها في أن تدفع لهم من كيس غيرها أثماناً لتنازلهم، أكان في سوريا أم في العراق أم في اليمن.. أم في لبنان استطراداً!
.. ولا الجماعة البوتينية في موسكو بدورها كانت في وارد تفويت الفرصة السورية. أكان لجهة تعبئة الفراغ المقصود المتأتي عن انكفاء الأميركيين، بما يخدم التطلّعات الإحيائية المستجدّة في الكرملين. أو لجهة الاستعراض عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً بما يرسّخ «فكرة» كون روسيا لا تزال دولة عظمى وتستطيع أن تفرض معادلة توازنية تخدم مصالحها العليا وتطلّعاتها.
وشرط ذلك كله، هو أن تطرح شعاراً لا ينكسر! فعلت ذلك في جورجيا (لمَن يتذكّر!) ثم في اوكرانيا ثم في القرم! والآن في سوريا! وأي «حلّ« سياسي في «القطر الشقيق» كان سيحمل شبهة ضعف لا يليق بالاسبارطية الروسية العائدة! فكيف الحال، وقد تقاطعت المواقف مع إدارة أوباما عند شعار جذّاب وخلاّب، هو «محاربة الإرهاب». وعند «مراعاة» البلطجة الإيرانية! وعند الاقتناع العميق والمشترك بأن الفتك بالإسلام الأكثري هو تجارة رابحة لكل مَن دخل السوق! طالما أن الوهن ضارب أطنابه في ديار هذا الإسلام تبعاً لنجاح «البروباغندا» على مدى العقدَين الماضيين في إيجاد رابط متين بينه وبين «الإرهاب»! ثمّ تقديم الجماعات الإرهابية الموبوءة والمشبوهة كل مبرّرات ذلك وأكثر!
كأنّ سوريا في جملتها تختصر ثلاث حالات «ثأرية» فظيعة: واحدة للروس من افغانستان! وواحدة للأميركيين من 11 أيلول 2001! وواحدة للإيرانيين من التاريخ والجوار العربي برمّته!
.. الكذبة (الفرعيّة) الثانية، كانت متقطّعة لكن بثبات. وهي تقول بأن موسكو لا تتوافق تماماً مع الإيرانيين في مآلات وسيرورات النكبة السورية! وأن حساباتها الدولية والاقليمية الكبرى تفرض عليها ذلك، وخصوصاً لجهة علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل.. لكن يتبيّن بالتفصيل المملّ، (والكئيب)، أن الدم السوري كافٍ لإشباع كل الضواري! وان «تقسيم» الأرباح يتخطّى أي اعتبار حتى لو كان على مستوى «العداء» المُعلن بين «الممانعة» (الإيرانية!) وإسرائيل! وأن الملعب السوري رَحِب كفاية، بما يمكّن كل جهة من أخذ حصّتها فيه والاطمئنان إلى عدم المسّ بها طالما أنها تُدمغ فوراً بمصطلح «الخطوط الحمراء» الطنّان!
كذبتان كبيرتان لكنهما تبقيان دون مستوى ورخامة الكذبة الأكبر القائلة بأن «المجتمع الدولي مضطرب ويشعر بالعار» نتيجة ما يجري في سوريا! وأي عار هذا؟!