IMLebanon

وحده الشعور «بالسخن» قادر على صياغة «القانون»

مضت ثماني سنوات على آخر استحقاق نيابي أُجري في لبنان. هي بحدّ ذاتها مدّة قياسية لم تحدث منذ قيام الكيان اللبناني الا في فترة الحرب. كان تمديد أول للمجلس الحالي، بذريعة تمكنه في الفترة الاضافية من انتخاب رئيس وإعداد قانون انتخاب. وكان تمديد ثانٍ لأنه فشل في هاتين المهمتين. لم يواجه التمديد الاول بحركة شعبية رافضة واسعة النطاق، وانحصر التنديد به على الارض ببعض الناشطين المدنيين. لم يؤخذ بطعن رئيس الجمهورية آنذاك به. من يومها يعيش البلد مشكلة اضافية موازية لمشكلة مؤسستيه التشريعية والتنفيذية: هي مشكلة المؤسسة الموكلة مراقبة دستورية القوانين فيه.

لهان الأمر لو أن الإشكال اليوم يتعلق فقط بالتوصل الى قانون انتخاب. الإشكال الاكثر خطورة هو ان البلد تمكن من العيش «سياسياً» من دون اي شكل من اشكال الاحتكام لصناديق الاقتراع منذ ثماني سنوات الا في البلديات، وهي كذلك سنوات انحسرت فيها الحركة الشعبية الى اوسع حد، بعد ان لعبت الجماهير دوراً واسعاً في فترة انتفاضة الاستقلال، وحافظت على ظهورها الحاشد لسنوات اضافية.

واليوم لا يلعب الناس اي دور في معركة قانون الانتخاب. اغلبهم يتابع هذه المعركة، بل يتابعها مع طرف مبالاة. فقد اصبحت هذه المعركة مضجرة. بعض هذا الضجر يجد تفسيره في ان «الخوف من الانتخابات» يتحكم بالجدل حول قانون الانتخاب. وهذا الخوف يجد شكلاً مختلفاً له عند كل قوة ومرجع في لبنان.

المشكلة ليست في «الخوف من الانتخابات»، فهذا الخوف كالتلميذ الهلع عشية امتحان مدرسي، يمكنه ان يكون دليل عافية بحد ذاته، لكن فقط لو انه يقترن بخوف آخر، هو «الخوف من عدم اجراء الانتخابات». عدم الشعور بهذين الخوفين في وقت واحد، عدم الشعور بالتداعيات الوخيمة لعدم اجراء الاستحقاق، بحجة الظرف، هو الذي يقلق.

في شكله المتداول، النقاش حول قانون الانتخاب، ينطلق من مقدمة خاطئة جداً، وهو انه ينبغي للناخبين ان ينتظروا حتى يجري التوصل لاختيار قانون انتخابي لهم، يكون الأنقى والأصلح. منذ اربع سنوات ينتظر الناخبون، بلا طائل، وما يحدث تحت شعار «صحة التمثيل»، انه آخر مرة جرى الاستماع لارادتهم كانت منذ سبع سنوات.

من الجهة المقابلة، لم يقم الناخبون بالضغط الواسع لإشعار من «يتخيّر» لهم قانون الانتخاب العتيد انهم في عجلة من أمرهم للاحتكام اليهم. ويدفع ذلك لطرح السؤال بجدية: لماذا الانتخابات اذاً، في بلد لا يطالب فيه المواطنون بحقهم فيها، ويفشل فيه ساسته في التوصل الى قانون انتخاب طيلة الفترة، بعد ان ساد بينهم «الإجماع» بأن لا عودة لقانون الستين.

لأجل ذلك، العبارة التي يستعيدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن العدالة المتأخرة ليست عدالة تصلح أيضاً لقانون الانتخاب! الانتخابات المتأخرة، تطعن كلما تأخرت، بمبدأي صحة التمثيل وتداول السلطة من الأساس. عندما يتأخر استحقاق انتخابي تحصل مضاعفات جسيمة في الجسم السياسي، ولو كان قادة هذا الجسم يتعاملون مع هذه المضاعفات كأعراض عابرة، ولو كان يظهر ان المجتمع قادر على تسيير امره من دون انتخابات. لكن لا احد يمتلك مفتاح الابقاء الى ما لا نهاية على هكذا وضع. صارت كلمة «دق ناقوس الخطر» عبارة خشبية بل مبتذلة من كثرة ما استخدمت. لكن ان كان من عبارة مجدية فهي هذه اليوم: دق ناقوس الخطر، بمعنى ايجاد مناخ ضاغط، يشعر فيه كل اللون السياسي «بالسخن»، ان هو لم يتوصل لقانون تسووي، يراعي كافة الحساسيات والمقاربات، ولا يأخذ بسردية طرف ويصم الأذن لطرف آخر، ويترك المجال بعد الانتخابات المقبلة ايضاً لتحسين هذه الورشة، لانه يستحيل التوصل لإبرام نهائي لمشكلة القانون الأصلح قبل الاستحقاق العتيد، والمطلوب إجراء استحقاق، يُحتكم فيه لصوت الناس، في أقرب فرصة ممكنة، بأقل الخسائر الممكنة.