في ظل الاوضاع الدولية والاقليمية الدقيقة التي يجتازها لبنان نتيجة للتهديدات الاسرائيلية لسيادته ومنابع النفط والغاز في مياهه الاقليمية. كان لا بد من التأكيد على الوضع الدستوري والقانوني للحدود اللبنانية، في إطار المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية المكرسة قانونا منذ ايام عصبة الامم وحتى تاريخه.
منذ إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920 كانت مزارع شبعا ضمن الحدود الدولية للبنان، وهي تقع في منطقة استراتيجية لها بعدها التاريخي والحضاري كما ولها قيمتها وأهميتها نظراً للمياه الجوفية الموجودة فيها، ما اعطاها اهمية اساسية نظراً لموقعها الجغرافي المميز، الامر الذي ادى الى احتلالها من قبل اسرائيل منذ عشرات السنين، ولكن هذا الاحتلال حصل بعد حرب العام 1967، وليس خلالها الامر الذي يجعل من المطالبة بخضوعها للقرار رقم 242 الصادر عن مجلس الامن الدولي او لجهة كونها ضمن الحدود السورية في غير موقعها القانوني والواقعي.
1 – بتاريخ 31/آب/1920 أي قبل يوم واحد من إعلان دولة لبنان الكبير، أصدر المفوّض السامي الفرنسي الجنرال غورو قراراً يحمل الرقم 318 يتعلق بحدود لبنان حيث ورد فيه بشكل صريح ما حرفيته:
«Au Sud, la frontière Palestinienne telle qu’elle sera determinée par les accords internationaux».
أي إنّ القرار المذكور ربط تحديد الحدود الجنوبية للبنان والملاصقة لفلسطين بمضمون الاتفاقات الدولية التي سوف توقع لاحقاً.
2 – بتاريخ 23/12/1920 أي بعد حوالي اربع اشهر من تاريخ اعلان دولة لبنان الكبير، تم توقيع اتفاق بين فرنسا وبريطانيا بصفتهما الدولتين المنتدبتين على كل من لبنان وفلسطين، وقد عرف هذا الاتفاق بإسم «ترسيم الحدود في المشرق» في ما بينهما، بحيث ادى هذا الامر الى وضع اتفاق الترسيم وتوقيعه بتاريخ 3/2/1922 ولقد وقعه «بوليه» عن الجانب الفرنسي و«نيوكومب» عن الجانب البريطاني، حيث يتبين من هذه الاتفاقية التي سميت يومها اتفاقية «بوليه-نيوكمب» وخاصة في النقطة 39 منها بان مزارع شبعا هي ضمن الحدود اللبنانية.
3 – خلال شهر آذار 1923 تم التوصل الى رسم الحدود بين لبنان وفلسطين انطلاقا من بنود اتفاقية «يوليه – نيوكمب» المذكورة اعلاه.
4 – تم ايداع الاتفاق الفرنسي – البريطاني المنوه عنه آنفا في عصبة الامم كوثيقة رسمية دولية، وذلك بتاريخ 6/2/1924، وتم تسجيلها يومها تحت الرقم 565 وبالتالي اصبح لهذا الاتفاق الصفة الدولية الملزمة قانونا وبالتالي اصبحت عبارة الحدود المعترف بها دولياً تعني اتفاق «بوليه-نيوكمب».
5 – بتاريخ 9/4/1925 اصدر المفوض السامي الفرنسي الجنرال سراي قراراً يحمل الرقم /3066/ قضى بالتأكيد على اعتبار القرى الواقعة ضمن مزارع شبعا كقرية النخيلة مثلاً، ضمن الاراضي اللبنانية.
6 – وفي العام 1926 تم تكريس حدود لبنان في المادة الاولى من الدستور اللبناني. ولقد نصت المادة 2 من الدستور اللبناني على ما حرفيته: «لا يجوز التخلي عن احد اقسام الاراضي اللبنانية او التنازل عنه». وبالتالي فإنّ رئيس الجمهورية اللبنانية وعندما يقسم اليمين الدستورية سندا لاحكام المادة 50 من الدستور فان القسم الدستوري ينص على ما حرفيته: «أحلف بالله العظيم اني احترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه».
7 – عام 1934 صادقت عصبة الامم في جنيف على اتفاقية «بوليه – نيوكومب».
8 – بتاريخ 7/10/1944 اكد «بروتوكول الاسكندرية» في مصر في فقرة خاصة عن لبنان ما حرفيته: «تؤكد الدول العربية الممثلة في اللجنة التحضيرية احترامها لاستقلال لبنان وسيادته لحدوده الحاضرة وهو ما سبقت لحكومات هذه الدول ان اعترفت به».
9 – بتاريخ 29/11/1947 صدر القرار رقم 181 عن الامم المتحدة حول تقسيم فلسطين الى دولتين: عربية ويهودية.
فالقرار 181 المذكور اعلاه اورد ما حرفيته:
أ – «تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية».
ب – «يحد منطقة الدولة العربية الجليل العربي من الغرب البحر الابيض المتوسط ومن الشمال حدود لبنان من رأس الناقورة الى نقطة شمالي الصالحة».
ج – «تحد القطاع الشمالي الشرقي من الدولة اليهودية (الجليل الشرقي) من الشمال والغرب الحدود اللبنانية».
إنّ ما يلفت النظر هنا هو ان الامم المتحدة استعملت سنة 1947 عبارة «الحدود اللبنانية» أي انها تعترف بالحدود اللبنانية المعترف بها دولياً وهذه الحدود ناجمة عن اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المعروفة بإسم «اتفاقية بوليه-نيوكومب» المودعة رسمياً ولمرة ثانية سنة 1934 لدى عصبة الامم التي اعتمدتها رسمياً يومها خاصة وان لبنان هو دولة مؤسسة في الامم المتحدة سنة 1945 وهو نال استقلاله سنة 1943 أي قبل اربع سنوات من صدور القرار 181 المذكور اعلاه.
10 – بتاريخ 23/3/1949 تم توقيع اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل ولقد نصت هذه الاتفاقية في مادتها الخامسة على ما حرفيته: «يجب ان يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين» وإن الحدود الدولية المذكورة هي الحدود التي رسمتها وحددتها اتفاقية «بوليه-نيوكومب».
11 – تطبيقاً لروحية اتفاقية الهدنة قامت لجنة الهدنة الدولية اللبنانية- الاسرائيلية وباشراف من الامم المتحدة، قامت بعملية مسح جديدة للحدود وتثبيت النقاط ولقد بدأت عملية المسح بتاريخ 5/12/1949 وانتهت خلال فترة 15 يوماً بحيث تمت هذه العملية على اساس اتفاقية «بوليه-نيوكومب».
أي إنّ الترسيم الرسمي والنهائي للحدود اللبنانية- الاسرائيلية حاصل بشكل قانوني ونهائي ومودع منذ العام 1949 لدى الامم المتحدة وهو حاصل استناداً الى اتفاقية «بوليه»نيوكومب» وبالتالي فان واجب لبنان يكمن في التمسك بالترسيم الحاصل في 15/12/1949 وليس بالوقوع في الفخ من خلال المطالبة بترسيم جديد للحدود لان الترسيم حاصل قانوناً ونهائيا سنة 1949 وما على الامم المتحدة الا تطبيقه خاصة وان الخط الازرق هو فقط خط انسحاب، مع الاشارة الى ما صرح به مبعوث الامم المتحدة تيري رود لارسون بتاريخ 6/حزيران/2000 حيث قال ما حرفيته : «منذ اسابيع وانا اشدد على ان الامم المتحدة تضطلع بالمسؤولية عن تحديد خط للانسحاب وليس عن رسم خط حدودي».
12 – نود ان نشير بالمناسبة الى ان قرار انضمام اسرائيل الى الامم المتحدة تم ربطه بشروط وردت في مقدمة القرار الصادر بتاريخ 11/5/1949 عن الامم المتحدة ومنها التعهد من قبل اسرائيل بتنفيذ قرارات الامم المتحدة ومنها القرار رقم 194 المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين.
ولقد ورد يومها في قرار الامم المتحدة ما حرفيته: «…ومع الاخذ بعين الاعتبار اعلان دولة اسرائيل انها سوف تقبل دون تحفظ التزامات الامم المتحدة التي نص عليها الميثاق وتقيدها بواجباتها…».
وبمعنى آخر فإنّ الامم المتحدة ملزمة بالطلب من اسرائيل وبموجب القرار المذكور باحترام الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً التي اكدت اتفاقية ترسيم الحدود المعروفة بإسم «بوليه-نيوكومب» على انها الحدود الدولية للبنان والتي عادت اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين لبنان واسرائيل في شهر كانون الاول سنة 1949 على اعتبار الحدود الدولية والتي من ضمنها مزارع شبعا حدوداً دولية بين لبنان واسرائيل.
13 – من هنا، فإنّ لبنان غير معني بالقرار رقم 242 ولاسيما الفقرة (ب) من مادته الثانية التي تتحدث عن «حدود آمنة»؛ لانه معني فقط بقرارات الامم المتحدة التي تؤكد سيادته على اراضيه المعترف بها دولياً .
14 – كما أن القرار رقم 425 الصادر عن مجلس الامن الدولي بتاريخ 19/3/1978، دعا الى «الاحترام الصارم لوحدة اراضي لبنان وسيادته ولاستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً».
إنّ جميع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن كانت تؤكد كلها على ضرورة انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية حتى الحدود الدولية. لذلك وحرصا على سيادة لبنان على كامل حدوده المعترف بها دوليا والتي يتوجب الاخذ بها حصرا لمعرفة حدود لبنان في مياهه الاقليمية.
فإنّني اقترح اعتماد السياسة التالية:
خطة العمل المقترحة
على الصعيد اللبناني والرسمي
1- الطلب من سفيري لبنان في فرنسا وبريطانيا الاستحصال على نسخ مصدقة متعلقة بكامل المحاضر العائدة للجنة «بوليه- نيو كومب» والموجودة في ارشيف «الكي دورسيه» (وزارة الخارجية الفرنسية) وكذلك ارشيف «كيوغاردن» (بريطانيا).
2- الطلب من سفير لبنان في جنيف الاستحصال على صور طبق الاصل عن محاضر عصبة الامم المتعلقة باقرار اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين (اتفاقية بوليه- نيوكومب).
3- تكوين ملف متعلق بكافة المحاضر والخرائط المتعلقة بلجنة الهدنة بين لبنان واسرائيل باشراف الامم المتحدة وخاصة اتفاق ترسيم الحدود في 15/كانون الاول سنة 1949 بين لبنان واسرائيل وكذلك محاضر الجلسات والخرائط الثماني التي اقرت فيها اسرائيل بترسيم لجنة «بوليه- نيوكومب» كي يتم تقديمها كلها الى الامم المتحدة والى الدول الكبرى واعضاء مجلس الامن الدولي خاصة وان مديرية الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش اللبناني تحتفظ بمحاضر الترسيم النهائي لاتفاقية الهدنة سنة 1949.
4- تكوين ملف خاص وشامل بمحاضر وخرائط ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا منذ الانتداب الفرنسي وحتى تاريخه.
5- تشكيل لجنة قانونية مهمتها اعداد ملف قانوني متكامل لتقديمه باسرع وقت الى الامم المتحدة وذلك تفادياً لاية محاولات ترمي الى اعادة البحث في الاتفاقات الدولية السابقة والسارية المفعول والتي تؤكد على «حدود لبنان المعترف بها دولياً».
6- تمسك لبنان «باتفاقية بوليه-نيوكومب» واعتمادها اساساً لتاكيد حقوقه في سيادته على اراضيه ومياهه الاقليمية خاصة وان هذه الاتفاقية كانت اساس اتفاقية الهدنة التي ادت الى الترسيم النهائي للحدود بين لبنان واسرائيل في شهر كانون الاول سنة 1949 برعاية الامم المتحدة خاصة وان هذه الاتفاقية صادقت عليها قبل ذلك عصبة الامم سنة 1934 وهي اصبحت تتمتع بالقوة التنفيذية والالزامية على صعيد القانون الدولي ولا يجب التنازل عن هذا الحق من قبل الدولة اللبنانية او التفاوض بشأنها سنداً للمادة 2 من الدستور اللبناني.
7- ضرورة الانتباه الى عدم الخلط بين نظرية «الحدود الآمنة» التي تنادي بها اسرائيل ومبدأ «الحدود المعترف بها دولياً» وهو مبدأ لصالح لبنان وبالتالي التأكيد على ان الخط الازرق الذي هو خط انسحاب والذي تحفظ عليه لبنان ليس الحدود الدولية.
8- ضرورة تحضير ملف كامل عن كل الخسائر والاضرار التي لحقت بلبنان من جراء الاعتداءات الاسرائيلية وذلك منذ العام 1968 وحتى اليوم علماً بان الامم المتحدة الزمت اسرائيل بالتعويض غداة اعتدائها على مطار بيروت الدولي سنة 1969 وكذلك بعد مجزرة قانا سنة 1996 اضافة الى الاضرار الكبيرة الناجمة عن عدوان العام 2006.
9- تحضير ملف كامل حول الاعتداءات الاسرائيلية على المياه اللبنانية وخاصة لجهة الامدادات التي وضعتها اسرائيل تحت الارض لضخ المياه الى اراضيها من انهر وطنية لبنانية وخاصة نهر الليطاني وبالتالي ضرورة الانتباه الى الاتصالات والدراسات التي تقوم اسرائيل بوضعها على صعيد القانون الدولي خاصة وانها بدأت تطرح جدياً تعديلاً على الوضع القانوني للمياه وهي تطرح حاليا مبدأ جديداً مبني على انه: «لا توجد حقوق في المياه ولكن توجد حقوق في استعمال المياه». وهو مبدأ نادى به ابراهام كاتز (رئيس الوفد الاسرائيلي في بكين سنة 1993) من خلال قوله: «هذا الامر ليس قابلاً للتفاوض»، علماً هنا بان شيمون بيريز صرح في شهر آذار سنة 1995: «للحرب احتجنا الى اسلحة، وللسلم نحن بحاجة الى مياه».
إنّه الخطر الكبير الإضافي الذي يهدّد مياه لبنان إضافة إلى نفطه وغازه وأراضيه ومياهه الاقليمية
فاستناداً الى ما تقدم، وفي ظل الضغوط الدولية والاسرائيلية التي تمارس على لبنان، يقتضي الالتزام بالحقوق الوطنية في سيادتنا على اراضينا ومياهنا. كان لا بد من وضع هذه الدراسة الاولية المختصرة كي تكون ورقة عمل لمساعدة الدولة اللبنانية على تأكيد حقوقها الوطنية المعترف بها دولياً.
* دراسة قانونية ودستورية
للمحامي ميشال قليموس