IMLebanon

آنذاك فقط

جمانة حداد شاعرة وكاتبة لبنانية حازت جوائز عربية وعالمية عدّة، فضلاً عن كونها صحافية ومترجمة وأستاذة جامعية. تشغل منصب المسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة “النهار”، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة. اختارتها مجلة “آرابيان بيزنيس” للسنتين الأخيرتين على التوالي واحدةً من المئة امرأة عربية الأكثر نفوذا في العالم، بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي.

17 آب 2015

هالني الخبر الذي قرأته أخيراً، أن رجلاً آسيوياً فضّل أن تموت ابنته غرقاً في البحر في دبي، على أن يمسّها رجل غريب في محاولةٍ لإنقاذها. فعلاً، لاقت الفتاة حتفها كما ألقي القبض على الرجل، الذي برّر جريمته بأنه خاف على “شرفها”.

يا عيني على هذا الشرف. وعلى هذه الأبوّة. وعلى هذا التخلّف. الى أين أيها العالم؟ إلى أين أيتها الانسانية؟ الى أين يا خلايا الدماغ؟ ويقولون إن الإنسان كائن “عاقل”. عاقل كيف؟ وأين؟ أناس وثقافات وحضارات يستكشفون الكواكب والمجرّات البعيدة، وفي المقابل أشخاص متخلفون الى حد لا يكاد يستوعبه منطق.

لطالما عرفتُ أن هذه العقدة ليست عربية فحسب. يكفي عدد الرسائل والشكاوى التي تصلني من أميركا اللاتينية مثلاً، أو حتى من بلدان أوروبية كإيطاليا واسبانيا، لأتأكد أن المشكلة، مشكلة العقل الذكوري المريض، عالمية.

هناك سيّد ومسود في هذا العالم، كي لا أقول إن هناك سيّداً ومسودة فحسب، فيعتقد القرّاء أني متطرفة وعمياء وتعميمية في نسويتي. لا. لستُ متطرفة ولا عمياء ولا تعميمية. فأنا أتكلم في البديهيات، بديهيات الكرامة البشرية، وفي كيفية تجسيدها على الأرض، من طريق المساواة الكاملة، والحق الكامل، والعدل الكامل.

من المؤلم حقاً أن تكون مساواة المرأة بالرجل في المجالات المجتمعية والسياسية والقانونية، لا تزال موضع جدل، ليس هنا في منطقتنا العربية فحسب، بل في العالم أجمع. التخلف عميق، والتابوهات شديدة الوطأة على العقول، والمنطق الذكوري يهيمن على رغم كل مظاهر التحديث السطحية، لكن حركة التاريخ لا يمكنها أن تستمر هكذا، ولا أن تتوقف، ولا أن تعود الى الوراء.

هناك خطٌّ بياني على مستوى ما يجري في العالم، وسيأخذ في طريقه، عاجلاً أم آجلاً، كل العقبات التي تقف في وجه التغيير، وفي مقدمها مسألة التضييق على المرأة وعدم صوغ القوانين التي تؤمّن مساواتها بالرجل، ليس على المستوى العائلي والاجتماعي والثقافي فحسب، ولكن أيضاً وخصوصاً على المستوى السياسي.

هذه مسألة تتوقف عليها كل مفاهيم المساواة والحداثة والحرية والكرامة البشرية. لن يكون ثمة مجال بعد الآن للحؤول دون إحقاق كل امرأة عانت الذل والإهانة والكبت والحرمان، طوال أجيال وأجيال، في حين يجب أن تكون هي واجهة مجتمعاتنا وعنوان فخرها وكرامتها وتفوقها.

بعد قليل، ستأخذ المرأة ما هو مستحقّ منذ دهور، وستنتصر على أدوات القمع اللامتناهية المفروضة عليها في

ظلّ الأنظمة البطريركية المتخلّفة.

آنذاك فقط سأقول: سلامٌ لك أيها العالم. الآن صرنا نستحقك.