IMLebanon

صراع علني على المستقبل بين خامنئي وروحاني

«الفصام» في خطاب المرشد آية الله علي خامئني، بدا واضحاً وحاداً. في الوقت الذي كان العمّال الإيرانيون يمحون شعار «الموت لأميركا» عن جدران السفارة الأميركية في طهران، استعاد المرشد شعار «الشيطان الأكبر»، وأخرج أميركا من حالة «التفاهم» معها بعكس ما يجب أن تكون علاقات إيران بباقي دول العالم. هذا التصعيد ليس علامة قوّة، فالقلق حاد وعميق وواضح في كل المواقف التي أطلقها خامنئي. لم يعد خافياً أنّ الصراع بين المحافظين المتشدّدين من جهة والوسطيين والمعتدلين والإصلاحيين من جهة أخرى خرج إلى العلن على قاعدة رسم مستقبل إيران وليس فقط مَن سيمسك بالسلطة. لا شك أنّ المرشد يشعر بحرج كبير لأنّه يميل إلى الخط المحافظ بقوّة، وسلاحه في ذلك المحافظة على شعار الثورة بكل تكاليفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

في الخطاب (9/9/2015) الذي حشد له «شرائح واسعة من المجتمع الإيراني»، علماً أنّه من المفترض أن يلقي المرشد خطابه التقليدي بمناسبة ذكرى الحرب مع العراق. يمكن من خلال تفكيك مفاصله الأساسية، قراءة مسار القلق الخامنئي من تحوُّلات الداخل خصوصاً على المستوى الشعبي الواسع.

[ بداية يشدّد خامنئي على عدم التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية خارج الملف النووي. علماً أنّ المفاوضات أنتجت «التسوية» الشاملة، ذلك أنّ الثنائي كيري ظريف لم يكن معنياً بالتعقيدات التقنية الدقيقة. ما معنى هذا التعاون الضمني وحتى المكشوف في العراق والصمت الأميركي على التدخّل الإيراني في سوريا؟ هذه «التسوية» كما يتكشف لم تكن شاملة. المرشد خامنئي يشعر، بعد دعم واشنطن عاصفة الحزم، ومعه الجنرال قاسم سليماني أنّه «طُعِنَ» في صدره قبل ظهره في اليمن. لا شك أنّ خامنئي كان يراهن بقوّة على وضع يد إيران على اليمن مقدّمة للإمساك بالبحر الأحمر عبر التمدُّد إلى اريتريا والسودان، وبذلك يتحوّل هذا «البحر» إلى «بحر إيراني»، يُخضع ربع التجارة الدولية لمراقبته وحمايته بكل ما يعني ذلك من نفوذ وصوت مسموع في قطاع النفط وتصديره العالمي. هذا الفشل سبب إعادة اتهام أميركا «بالشيطان الأكبر». إلى جانب ذلك، لا بد أن خامنئي رغم تحالفه مع «القيصر» الروسي، يشعر بالقلق للإنزال الروسي في سوريا وهذا يدفعه للتساؤل: أين الموقف الأميركي من هذا الإنزال الذي يعني مقاسمة موسكو لنفوذه الذي دفعت إيران ثمنه غالياً، خصوصا في اي مفاوضات مقبلة، من المال والرجال وسمعة «حزب الله» كحزب مقاوِم ضدّ العدو الإسرائيلي.

[ إنّ التحوُّل داخل المجتمع الإيراني باتجاه عودة العلاقات الطبيعية والإيجابية مع الولايات المتحدة الأميركية يعني انتهاء الثورة بالمفهوم الخامنئي، ممّا يُضعف نفوذه ونفوذ المتشدّدين، لذلك يهاجم بشدّة الذين «يسعون إلى تلميع صورة أميركا وتصويرها بأنّها ملاك ومُنقذ»، ويتساءل «أي عقل وضمير يسمح بأن نصوّر مجرما مثل أميركا على أنّها صديق وجديرة بالثقة».

[ تنامي المؤشّرات إلى أنّ مسألة ضمان أمن إسرائيل كان في صلب المحادثات الأميركية الإيرانية. وكان حسين شيخ الإسلام السفير الأسبق في سوريا وعضو الهيئة الخارجية في البرلمان الإيراني قد أكد «أنّ قضية إسرائيل طُرحت في المفاوضات«. لذلك قال خامنئي «انّه قيل بأنّ من نتائج المحادثات النووية أنّ إسرائيل ارتاحت لفترة 25 سنة». لا شك أنّ هذه المسألة هي الأخطر بالنسبة للمرشد وللسياسة الإيرانية في المنطقة لانّ في صلب نتائجها سقوط الخطاب الإيراني المقاوم. وبدلاً من أن يصعِّد من موقفه المقاوِم وعدَ بأنّ إسرائيل لن تكون هنا بعد 25 سنة دون أن يقول كيف وبأي وسيلة تماماً كما فعل وقال «مذياعه العسكري» الجنرال نقدي قائد «الباسيج».

[ نقل خامنئي الخلاف حول الانتخابات التشريعية والخبراء مع الرئيس حسن روحاني إلى العلن، إذ اعتبر أنّ «مجلس صيانة الدستور هو العين الباصرة للشعب والنظام في الانتخابات وأنّ مجلس صيانة الدستور له حق تحديد الأهلية السياسية للمرشحين». وكان روحاني قد رفض هذا الدور للمجلس لأنّ صلاحيته «النظارة» وليس التنفيذ. رغم هذا الموقف المتشدّد للمرشد لمصلحة المحافظين المتشدّدين، فإنّ الصراع على الانتخابات يبدو في صلب المواجهة بين المرشد خامنئي والرئيس روحاني وهو لم يحسم خصوصاً وأنّه في قلب كل ذلك الموقف الشعبي الذي اعتبر خامنئي ما حدث في انتخابات 2009 من «العادات السيئة» لأنّها شكّكت بنزاهة الانتخابات.

ما يؤكد عمق المواجهة، أنّ رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس هاشمي رفسنجاني، أكد مرّة أخرى وقوفه على الضفة المواجِهة لخامنئي ومواقفه، إذ قال إنّ «إيران لديها الاستعداد الكامل لتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية في المرحلة الجديدة» مع أميركا. فقط طالب رفسنجاني واشنطن «بالتعويض عمّا سبق واتخاذ خطوات جديدة باتجاه إيران».

لا يمكن الآن تحديد وجهة الصراع الداخلي ونتائجه، لكن من الطبيعي القول إنّه طوال الأشهر الستة المقبلة ستشهد إيران تصعيداً يمتزج فيه الداخل بالخارج بقوّة خصوصاً وأنّه خلال الفترة نفسها سيشهد تنفيذ الاتفاق النووي امتحاناً يومياً.