عندما إنفجر خلاف مرسوم منح أقدميّة سنة للضُبّاط الذين تخرّجوا في العام 1994 ضُمن دورة حملت إسم «الإنصهار الوطني»، تخوّف البعض من أن تتحوّل المسألة من مُجرّد خلاف دستوري إلى أزمة سياسيّة وربّما إلى أزمة حُكم. لكن وبفعل وساطات البعض ومَونة البعض الآخر، بقي الخلاف محصورًا تحت سقف مضبوط نسبيًا، من دون أن ينجح أحد حتى الساعة في إنهاء عمليّة «شدّ الحبال» بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه برّي. وبناء على ذلك، بدأ القلق يُراود أكثر من طرف، لجهة أن يُترجم «الكباش» السياسيّ الحالي، معارك إنتخابيّة بين مُناصري «التيّار الوطني الحُر» من جهة ومُناصري «حركة أمل» من جهة أخرى. فهل هذا الأمر مُمكن؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ هذا الأمر غير مُستبعد من الناحية النظريّة، لأنّه في عزّ التحالف بين قوى «8 آذار» و«التيّار الوطني الحُرّ» خلال إنتخابات العام 2009، لم يستطع الوسطاء منع المُواجهة الإنتخابيّة بين الطرفين في قضاء جزّين حيث أصرّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في حينه على دعم المرشّح سمير عازار (تُوفّي الصيف الماضي) بوجه «التيّار الوطني الحُرّ» من دون أن يتمكّن من خرق اللائحة. وذكّرت الأوساط أنّ المُنافسة الحادة بين «الحركة» و«التيّار» تكرّرت ولوّ بنسب مُتفاوتة في خلال الإنتخابات الفرعية في جزين خلفًا للنائب الراحل ميشال حلو، وخلال الإنتخابات البلديّة أيضًا. لكنّ الأوساط نفسها لفتت إلى أنّ التخوّف من تحوّل الخلاف بين «الوطني الحُرّ» و«أمل»، إلى مُواجهات إنتخابيّة مفتوحة في كل الدوائر التي يتواجد فيها مُناصرون للطرفين، في ظلّ العلاقة المُتردّية بين القيادتين، مُبالغ فيه، لأنّ التداخل بين الطرفين محصور من الناحية الميدانية، وحُضور «حزب الله» في مختلف الدوائر التي تضمّ مقاعد شيعيّة ومسيحيّة مُتداخلة، يُمكن أن يحول دون حُصول هذه المعارك أيضًا.
وأوضحت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ «حزب الله» و«حركة أمل» قرّرا خوض معارك المقاعد العائدة إلى الطائفة الشيعية في كل لبنان مُناصفة بينهما، حيث يجري حاليًا وضع التفاصيل النهائيّة لتوزيع المقاعد الخاصة بكل من «الحزب» و«الحركة» وبكليهما معًا أيضًا، تبعًا لخُصوصيّة كل دائرة إنتخابيّة ولتوزيع القوى فيها وللتموضعات السياسيّة المُرتقبة فيها. وأضافت أنّ «حزب الله» يعمل على تفادي أيّ معارك إنتخابيّة يُمكن أن تقع بين حليفيه «أمل» و«الوطني الحُرّ»، من خلال أن تكون بعض المقاعد في دوائر حسّاسة من نصيبه بدلاً من نصيب «الحركة»، منعًا لأي حزازيّات في غير مكانها مع «الوطني الحُر». وتابعت المصادر أنّه من هذا المُنطلق، يُرجّح أن يتمّ منح المقعد الشيعي في جبيل لشخصيّة يتقاطع ترشيحها مع مُرشّحي «الوطني الحُرّ» وذلك في حال جرى التخلّي عن خيار النائب الحالي عباس هاشم، أو أن تكون هذه الشخصيّة مَحسوبة على «الحزب» في حال إقتضت المعركة الإنتخابية ذلك. والأمر نفسه ينطبق على المقعد الشيعي في زحلة حيث سيذهب إلى شخصيّة محسوبة على «الحزب» وليس على «الحركة»، علمًا أنّ تركيبة التحالفات الإنتخابيّة في هذه الدائرة مُعقّدة، وهي ستُترك حتى إنقضاء المُهل، خاصة وأنّ الخيارات مفتوحة على كل الإحتمالات، بما فيها أن يكون «الثنائي الشيعي» في لائحة مُختلفة عن اللائحة التي سيدعمها «التيّار الوطني الحُرّ»، بحيث قد يتموضع «الثنائي الشيعي» في لائحة يدعمها النائب نقولا فتوش ويتموضع «الوطني الحُرّ» في لائحة يدعمها «تيّار المُستقبل».
ولفتت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّه بالنسبة إلى المقعد الشيعي في دائرة «البقاع الغربي» راشيا، فإنّ المعركة الإنتخابية تتجاوز أي خلاف بين «أمل» و»الوطني الحُرّ»، حيث أنّ «الثنائي الشيعي» أخذ خياره بدعم ترشيح النائب والوزير السابق عبد الرحيم مراد، ما يعني أنّ أي تحالف بين «الوطني الحرّ» و«المُستقبل» في هذه الدائرة سيجعله بمواجهة كل من «الحزب» و»الحركة» في آن واحد، وليس بمواجهة «أمل» وحدها! وأضافت أنّه بالنسبة إلى دائرة «صور الزهراني» فإنّ حركة «أمل» ستُرشّح النائب ميشال موسى مُجدًدًا عن المقعد الكاثوليكي، علمًا أنّ قُدرة «الوطني الحرّ» على مواجهة هذا الأمر محدودة، لأنّ هذه الدائرة تضمّ مقعدًا مسيحيًا يتيمًا إلى جانب ستة مقاعد شيعيّة، علمًا أنّ عدد الناخبين المسيحيّين فيها يبلغ نحو 11% فقط (20285 كاثوليكيًا، و13456 موارنة). وبالإنتقال إلى دائرة «بنت جبيل – النبطيّة – حاصبيا – مرجعيون» لفتت الأوساط السياسيّة إلى أنه يُوجد أيضًا مقعد مسيحي واحد من أصل أحد عشر مقعدًا، يشغله النائب عن «الحزب القومي السوري الإجتماعي» أسعد حردان، وهو مدعوم من حركة «أمل» بطبيعة الحال، وعين الكثير من المُرشّحين عليه. لكنّ قيام «التيّار» بترشيح أو بدعم شخصيّة ضُدّ حردان ستضعه بمواجهة مُباشرة مع الحزب «القومي» وحتى مع «الثنائي الشيعي» وليس فقط مع «أمل». وتابعت الأوساط أنّ «التيّار» قد يُحرّك مسألة المقعد الأرثوذكسي في هذه الدائرة، للضغط على «القوميّين» الذين يميلون بنسبة كبيرة إلى الوُقوف إلى جانب «تيار المردة» في دائرة «البترون – زغرتا – الكورة – بشرّي»، في حال بلغت الأمور حد المُواجهة المفتوحة بين «المردة» و«الوطني الحُرّ» هناك، علمًا أنّ عين «القوميّين» أيضًا هي على مقعد في المتن قد يخوضون معركته.
ورأت الأوساط السياسية المُطلعة أنّ المُشكلة الأكبر تبقى في دائرة «صيدا – جزين»، لأنّه في حال تحالف «التيّار» مع «المستقبل»، فهو سيُواجه منافسة إنتخابية من «الثنائي الشيعي» وليس من حركة أمل فحسب، لأنّ «حزب الله» حاسم في دعم وُصول رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد إلى الندوة البرلمانيّة. وفي حال تموضع «الوطني الحُرّ» ضُدّ «المُستقبل» في هذه الدائرة، فإنّ المُشكلة مع حركة «أمل» ستطفو إلى العلن من جديد، لأنّ «الحركة» ستدعم ترشيح إبراهيم عازار عن أحد المقعدين المارونيّين في جزين، لإسترداد المقعد الذي كان شغله والده الراحل النائب سمير عازار ضمن «كتلة التنمية والتحرير»، قبل أن ينجح «التيار الوطني الحُرّ» في الاستحواذ عليه.
وخلصت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ التنافس الإنتخابي المُباشر بين «الوطني الحُرّ» و»أمل» محـصور في أماكن محدودة، وتوسيع دائرته سيُعرّض علاقات «التيّار» مع كل من «حزب الله» و«القومي السوري» للإهتزاز. وأضافت أنّ عدم تواجه «التيار» و«أمـل» سـوى في أماكن محدودة لا يعني ٍأنّ آثـار التوتّـر الحـالي بين الطرفين محدودة، لأنّها يُمكن أن تصل إلـى حدّ رفض «التيّار» التجديد لرئيس المجلس بعد الإنتخابات، وإلى رفض منح وزارة المال إلى وزير من «الحركة» في الحُكومة المُقبلة أيضًا، وهذه أمور كفيلة بخلق أجواء توتّر سياسي غير مسبوق، بغضّ النظر عن فرص نجاحها.