بإيعاز من وزير التربية الياس بو صعب، تجرى مباراة مجلس الخدمة المدنية لتعيين أساتذة ثانويين وفق حاجات العام الدراسي 2011 ــ2012. النقابيون يحذرون من البطء في إنجاز الاستحقاق، في محاولة لحماية سياسة التعاقد
ابتداءً من 25 تموز المقبل، تنطلق المباراة المفتوحة في مجلس الخدمة المدنية لتعيين 1223 أستاذاً في ملاك التعليم الثانوي الرسمي. إعلان المباراة في 5 أيار الجاري أتى بعد انتظار طال ثلاث سنوات، كان المجلس يتريث خلالها في إجرائها، كما تقول مصادره، لعدم وجود دراسة علمية وموضوعية حول الحاجة الحقيقية إلى الأعداد المطلوبة، وتوافر الاعتمادات اللازمة للتعيين.
فالمعلوم أنّه يقع على عاتق وزارة التربية تطبيقاً لأحكام المادة 3 من القانون 630 بتاريخ 20/11/2004، وعند تحديد حاجة المدارس الرسمية إلى أساتذة أو معلمين أو مدرسين، إعداد دراسة تظهر حاجة الثانويات الرسمية إلى أساتذة، وإرسال نسخة عنها إلى المفتشية العامة التربوية في التفتيش المركزي، الأمر الذي لم يحصل عند الموافقة على المباريات بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 25 بتاريخ 4/3/2012، ولم يحصل حتى الآن.
هكذا، فإنّ المباراة المرتقبة تنظم وفق القرار الأخير، أي أن الحاجة تعود إلى العام الدراسي 2011 ــ2012 وليس إلى العام 2014 ـ2015. وهنا يقر مدير التعليم الثانوي الرسمي محي الدين كشلي بأنّ الدراسة الجديدة لم تنته بعد، مشيراً إلى أننا «لا نستطيع أن نؤخر مباراة لتعيين أساتذة نحن بأمس الحاجة إليهم». ويلفت إلى أنّ هناك حاجة إضافية لنحو ألف أستاذ. «الأخبار» علمت أن الدراسة الجديدة للوزارة تتحدث عن الحاجة لـ2070 أستاذاً، أي 847 أستاذاً إضافياً على قرار مجلس الوزراء.
في المقابل، تصف مصادر مجلس الخدمة المدنية المباراة بـ «الارتجالية بسبب طغيان الانتفاع السياسي والشخصي على الإحصاءات الواقعية وسوء توزيع الأساتذة على الاختصاصات والمناطق».
وكان المجلس قد أعلن حتى الآن الدفعة الأولى للمباريات والتي تشمل أساتذة الرياضيات (196 أستاذاً) والفيزياء (186 أستاذاً) والعلوم الاقتصادية (48 أستاذاً)، أي 430 أستاذاً فقط. في الواقع، أعيد تحديد مواعيد جديدة لقبول الاشتراك في مباراة أطلق العمل بها عام 2013 ثم أوقف مع خروج رئيس المجلس السابق خالد قباني إلى التقاعد في شباط من العام نفسه. يومها، فتح باب الطلبات في 4/2/2013 لمواد الرياضيات والفيزياء والعلوم الاقتصادية وفي 18/3/2013 لمواد العلوم الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا.
الدراسة الجديدة
للوزارة تتحدث عن الحاجة إلى 2070 أستاذاً
اليوم، أعاد وزير التربية الياس بو صعب تحريك المباراة بكتاب أرسله إلى مجلس الخدمة، على أن تعد الطلبات المقدمة سابقاً مسجلة للاشتراك في المباراة ولا ضرورة لإعادة تقديمها، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم تجاوز المرشح الحد الأقصى للسن المسموح به وهو 44 سنة بتاريخ إجراء المباراة.
النقابيون الذين كانوا يترقبون بفارغ الصبر المباراة للقضاء تدريجياً على بدعة التعاقد استوقفتهم الرزنامة الجديدة والبطء في إعلان المواد، باعتبار أن نتائج الدفعة الأولى تصدر في تشرين الأول المقبل، متسائلين عمّا إذا كان مجلس الخدمة سيفرج خلال وقت قصير عن مواعيد باقي المواد أم ستكون هناك نية مبيتة لدى السياسيين بالمماطلة وإطالة مدة التحضير، في محاولة لكسب الوقت وخصوصاً أن الأساتذة الناجحين في المباراة لا يعينون مباشرة في الملاك بل يخضعون لسنة كفاءة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية؟ وهل سيكون ملف 512 أستاذاً ثانوياً يمثلون الدفعة الثالثة من الناجحين في مباراة عام 2008 (غالبيتهم لغة عربية) وملف متعاقدين آخرين لم يسمح لهم بإجراء المباراة السابقة جزءاً من هذه المباراة؟ وماذا عن حماية سياسة التعاقد؟
المفارقة، بحسب النقابيين، أن التعاقد كان يجرى في السابق لسد الشواغر في بعض الاختصاصات. أما اليوم، فبات تقديم المنافع عبر التعاقد هو القاعدة. يستغربون الحديث عن ارتفاع كلفة الرواتب والأجور، فيما الكلفة الحقيقية تصرف على التعاقد.
النقابية بهية بعلبكي (التيار النقابي المستقل) تؤكد أهمية أن تكون هناك دراسة سنوية للحاجات التي تجرى على أساسها المباراة المفتوحة، إذ ليس هناك مبرر لتأخير مثل هذه الدراسة في ظل التشبيك بين الثانويات والوزارة، إلّا إذا كان الهدف هو الحفاظ على التعاقد وضرب ملاك التعليم الثانوي الرسمي. وتدعو بعلبكي إلى تحديث المقررات في كلية التربية بما يتلاءم مع التوصيف المهني الجديد للمعلم، إذ إن الاتجاه المتنامي لاستبدال الكتاب بالتابليت والألواح الذكية يفرض حتماً أساتذة يجيدون استخدام وسائل الاتصال الحديثة.
أما رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، فرأت أن المباراة جاءت بعد اتصالات قامت بها الهيئة الإدارية للرابطة، لكنها تبقى ناقصة إذا لم تستكمل بملء الملاك الثانوي عبر لحظ الحاجات الفعلية التي تقدر بأكثر من ثلاثة آلاف أستاذ، واتخاذ القرارات التنفيذية لها. وطالبت الرابطة بحل قضية الفائض من مباراة 2008، وذلك عبر إعادة مشروعهم إلى المجلس النيابي لإلحاقهم بكلية التربية.
المباراة أثارت تحفظ رئيس لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الثانوي حمزة منصور، اعتبر أن تبني الرابطة لمشروع المباراة المفتوحة المرمي في مكاتب مجلس الخدمة المدنية منذ سنوات هو بمثابة ضحك على عقول المعلمين وخصوصاً أنّها تعلم أن الداعم الأول والمستفيد الأول من هذه المباراة هو المكتب التربوي في التيار الوطني الحر، كما أنّه تعويض عن الفشل في إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب.
القرار لاقى أيضاً استنكار متعاقدين مضى على تعاقدهم سنوات طويلة. هؤلاء وصفوا المباراة بـ «القنبلة الموقوتة، التي قد تنفجر في أحدنا، عند إعلان النتائج، لأننا جميعاً معرضون للرسوب، فالشواغر قليلة جداً (أستاذان فقط لمادة الفيزياء في منطقة مرجعيون مثلاً)، نسبة إلى أعداد المتقدمين الكبيرة، حتى أن المتخرجين الجدد، لهم الفرصة الأكبر في النجاح، نظراً إلى أنه لم يمض وقت طويل على تخرجهم». ونفوا أن يكون المتعاقدون القدامى خائفين من الامتحانات، بل طامحين إلى الاستقرار الوظيفي بعد سنوات من الظلم قضوها بلا رواتب شهرية أو ضمان صحي أو بدل نقل.
في هذه الأثناء لم يتوقف التعاقد يوماً واحداً، رغم تأكيد الوزير عدم قبول أي تعاقد جديد. ما يحدث فعلاً هو ابتكار حلول غير تربوية، من بينها إقناع بعض أساتذة الملاك بالعمل في النظارة والارشاد الصحي وغيرها أو الانتقال الى جهاز الارشاد والتوجيه، أي الاستغناء عن عشرين ساعة تدريس، وهي نصاب الأستاذ التعليمي، لتأمين متعاقدين جدد، اختيروا لغايات سياسية وطائفية.
في إحدى الثانويات تفرغ أستاذ كيمياء لأعمال النظارة، فحل مكانه ثلاثة أساتذة متعاقدين، اختارهم المدير من بين أقربائه بموافقة الوزارة طبعاً، حتى أن عدداً كبيراً من المتعاقدين تعاقدوا هذه السنة فقط لأن المديرين أرادوا ذلك.
ويتحدث مصدر في التعليم الثانوي عن أستاذ يدرس 26 ساعة بينها ساعتا تنسيق، وعشر ساعات تعاقد، ما يعني أن ساعات تدريسه العملية التي يتقاضى راتبه على أساسها هي 14 ساعة من أصل 20 ساعة يجب عليه قانوناً أن يلتزم تدريسها.