قبل أن يقفل العام أبوابه وتخرج إلى النّور المطبوعات السنوية التي تُعنى بشؤون حريّة الصحافة، كان لا بُدّ لنا من مخاطبة وزير العدل أشرف ريفي لدرايتنا بتحرّي الرّجل إحقاق الحقّ وشؤون سير العدالة في هذه المرحلة العصيبة والعصيّة من يوميّات وطنٍ يتداعى على أبنائه في انتظار حلولٍ تهبط علينا من السّماء في هذه الأعياد والأيام المباركة، وفي ظلّ انسداد الأفق الإقليمي منذ سقوط العراق عام 2003 بيد «شبه الإمبراطوريّة الفارسية» الجديدة، ونتوجّه إلى وزير العدل لأنّ ما نزل هذا العام بالصحافة والصحافيين وأصحاب الصحف غير مسبوق في تاريخ القضاء اللبناني، عسى أن يجد صوتنا طريقه إلى القضاء اللبناني الذي دافعت عنه هذه الصحافة في أحلك الظروف التي تعرّض فيها قضاته إلى التشهير والاعتداء المعنوي واللفظي أحياناً، فإذا بهذه الصحافة يُكافئها القضاء بغرامات ماليّة هائلة تدفعنا إلى التساؤل: هذه المبالغ «الهائلة» التي يحكم بها القضاء في قضايا تندرج تحت باب حريّة الرأي، هل نصّ عليها القانون أم أنّها متروكة للتقدير الجزافي؟
هل يُعقل أن يُغرّم القضاء صحافيّاً ما يتجاوز الأربعين مليون ليرة لبنانيّة لمجرّد أنه كتب مقالاً ردّ فيه على نائبٍ لا يوفّر أحداً من شتائمه وحروبه، وأن يُغرّم صاحب صحيفة ما يقارب الخمسة وعشرين مليوناً، في قضية واحدة؟! فيما النائب يتمتّع بحصانة تمنع مقاضاته على شتائمه،ويقبض راتبه من أموال الشعب اللبناني مدى حياته وحياة ورثته وورثة ورثته ربما؟! هل هذه سياسة إفلاس للصحف اللبنانيّة بفرض غرامات تفوق الخيال، ولمصلحة من ضرب الصحف والصحافيين اللبنانيين بهذه القسوة؟!
وتقتضي شروط العدل يا معالي الوزير التكافؤ بين الخصوم، فكيف يتساوى في قضايا حريّة الرأي السياسية خصمان أحدهما بحصانة والآخر لا حصانة له؟ وفي حالات الانقسام الوطني الكبير التي تلامس حروباً أهليّة باردة وفي لحظات التشظي الكبرى أليس الأولى أن يستبعد النظر في هذه القضايا في هذه المراحل الدقيقة سياسياً؟
عبركم، نتوجّه إلى القضاء اللبناني، في وطن عاصمته «أم الشرائع» لنذكّر القضاة أنهم مؤتمنون على الحرّيات في وطن دفع الكثير من أجل الحريّة خصوصاً الصحافيّة منها، لوضع حدّ نهائي لهذه الأرقام الخياليّة خصوصاً وأن ربح الدعوى من قبل أي سياسي نائباً كان أم وزيراً أو حتى من سياسيي «الصناعات الاستخباراتيّة لدول الغير»، وقد حان الوقت لتحديد غرامة رمزيّة لهذه القضايا لأنّ الغاية في النهاية من رفع هذه القضايا هو الكسب «المعنوي» لا «المالي»، وهذا أبسط حقّ للصحافة والصحف والصحافيين، وإلا علينا أن نتساءل عن مصير هذه الحريّة أمام هكذا غرامات خياليّة تقيّد الأقلام وتكمّ الأفواه، والمطلوب وضع حدٍّ لهذه المجزرة التي تتوالى فصولها منذ أعوام والأرقام فيها تتضخم إلى ما يفوق قدرة أصحاب المليارات!!
في وطن الحريّات من حقّ الصحافي اللبناني أن يعبّر عن رأي الناس، وهذا الحقّ المقدّس لا نريد أن تتحوّل الغرامات الماليّة التي يفرضها القضاء في هذه القضايا سيفاً على رقبة الحريّة ولا العدالة،فكلاهما ظهيران لحقّ واحد لا يتجزّأ.