معالي الوزير لا يخفى على أحد أنّ السلطة القضائية في لبنان تعيش مرحلة مخاض طويلة سببها حالة من التجاذب بينها وبين السلطة السياسية التي تسعى لتقويض عملها، في هذا الإطار إنّ أخطر ما يواجه القضاء في لبنان هو فقدان ثقة المواطنين به وغياب التواصل بينهما، وهنا دور وزارة العدل لوضع خطة طويلة الأمد تبدأ من معهد الدروس القضائية ولا تنتهي أو تتوقف إلّا عند ما يساعد القاضي في أداء مهمته واستعادة ثقة المواطنين به. وقد جاء تعيينكم وزيراً للعدل في غمرة أحداث مهمة تحتاج إلى رجل استثنائي بخبرته القضائية وبنظافة كفه ويمكن القول بكل جرأة إنكم رجل هذه المرحلة وقد عُرفتم برحابة صدركم، فكان هذا الكتاب الذي نشارككم فيه بعض الأفكار علّها تكون مفيدة.
إنّ القاضي اللبناني يحتاج إلى وزير يضع نفسه بخدمة القضاة للبحث عن مشكلاتهم وحلّها، وقد توالى على وزارة العدل مجموعة من الشخصيات المرموقة إلّا أنه لم يظهر من خلال أدائهم وجود رؤية، وقد وضعوا أنفسهم على تماس مع القضاة وهذا تموضع سياسي خاطئ، وقد تناسوا عدداً من الأولويات كإعادة هيكلة الوزارة واستحداث مديريات ومصالح، إذ لا يمكن تصوّر وزارة عدل دون وجود مصلحة للتخطيط الاستراتيجي تتولّى جمع المعلومات وتحليلها ووضع خطط قصيرة وطويلة الأمد وأخرى لإدارة الموارد البشرية وأخرى للتكنولوجيا.
أما الجهاز الإداري فيعمل بأقل من نصف عدد الموظفين ما يؤثر بشكل مباشر على القضاة والمحامين والمتقاضين ويساهم في بطء الإجراءات القضائية ويمنع من تفعيل بعض النصوص القانونية المتعلقة بالمحاكمات والمطلوب الاستعانة بعدد من الموظفين من إدارات أخرى لسدّ العجز.
معالي الوزير،
إنّ الدور الأساسي لوزير العدل هو التشريع وهو المشرّع الأول، والوزارة تملك فريق عمل من قضاة قادراً على إجراء تعديلات جذرية على القوانين التي يعود قسمٌ مهّم منها الى أيام الانتداب الفرنسي ومطابقتها لعلم التشريع.
ضمن الإطار عينه، لا يخفى عليكم أنّ القوانين المتعلقة بتنظيم السلطة القضائية هي قديمة أيضاً ولا تستطيع أن تواجه تحدّياتِ الحداثة، ما يقتضي وضع خطة عمل تتضمن مجموعة من الإجراءات منها إعادة النظر بالتوزيع المكاني للمحاكم، وتعديل نطاقها الجغرافي عند اللزوم، تعديل الاختصاص القيمي، فتح الامكانية للمحاكم أن تتألف من رئيس وأربعة أعضاء بدل عضوين عند الحاجة، إلغاء محاكم المطبوعات ضمن ضوابط، تعديل القوانين المتعلقة بالمخالفات بما يخفف عن كاهل المحاكم، إيجاد حلٍّ إداري لمسألة مخالفة الأجانب لقانون الدخول إلى لبنان، إستحداث غرف جديدة لدى جميع المحاكم لا سيما لدى محكمة التمييز وتوسيع ملاك التفتيش القضائي ووضع مفتش بشكل دائم في قصور العدل ليتلقّى شكاوى المواطنين ويسعى لحلّها بأسرع وقت ممكن، فيلعب دور الوسيط في سبيل عدالة أفضل، والعمل على مطابقة القوانين اللبنانية للمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
معالي الوزير،
القاضي اللبناني يطلب بالإضافة إلى تحسين نوعية القوانين المطّبقة، تحسين قصور العدل لأنّ وضعها غير مقبول، إذ من الضروري وضع قانون برنامج لترميمها في كافة المناطق، وبناء أبنية جديدة داخل المساحات المتبقية من قصر عدل بيروت ليصار إلى نقل كل من المجلس الدستوري وديوان المحاسبة ومعهد الدروس القضائية وجميع المصالح العائدة لوزارة العدل المنتشرة هنا وهناك، فالوفر في بدلات إيجار هذه الأبنية يمكّننا من بناء مجمّع كبير يترافق في ما بعد بتعديل القوانين اللازمة لجعل بعض اختصاصات المحاكم محصورة ببيروت ما يخفّف عن المناطق والقضاة مشقة الإنتقال إليها كجرائم القتل وجرائم الأحداث بحيث ينشأ جهاز مركزي متخصّص أسوة بالبلدان المتقدمة وغيرها.
لا يستطيع بعض السطور من ذكر جميع المشكلات والحلول، إلّا أنّ الهدف يبقى الإضاءة على واقع القاضي اللبناني الذي يكافح ضمن إطار غير لائق والكل يطلب منه الكثير ولا يقدّم له شيئاً، نأمل منكم تغييرَ الصورة في القريب العاجل لا سيما أنكم الأقدر على ذلك.