IMLebanon

«غرفة العمليات»: سقطت.. لم تسقط

تأخّر استحقاق الحسم كثيراً في «دولة رومية». وفيما تبقى العبرة في الصيانة الدائمة لهذا الإنجاز وملاحقته حتى آخر خلوي بيد متّهم بالإرهاب، فإن أولياء القرار المتّخذ يجزمون أن «لا عودة الى الوراء». فهل انتهت «الأسطورة» فعلاً؟

لا يمكن الافتراض أن العملية الأمنية، التي نفّذت امس تحت عنوان نقل السجناء من طابق الإسلاميين في المبنى «ب» الى المبنى «د»، ستشطب السجن نهائياً من رزنامة البؤر الأمنية الخارجة عن السيطرة، لكن هذه العملية بحدّ ذاتها تعكس جدّية القرار الأمني المشترك، والمتوافق عليه بين القوى السياسية، على تفكيك «إمارة رومية» لتعود مبدئياً الى كنف الدولة الشرعية.

منذ مساء يوم الأحد تمّ استدعاء العناصر كافة، من ضباط وعسكريين ممّن كانوا في إجازة، للالتحاق فوراً بمقرّ خدمتهم في السجن، كما أعلنت الجهوزية في صفوف نحو ألف من عناصر فرع المعلومات وقوى الأمن، ومن بينهم عناصر نخبة من «الفهود» و «القوات الخاصة» استعداداً لعملية عرّت أداء سلطة تغاضت منذ العام 2010 عن القيام باللازم، فيما شكّل الجيش عنصر مؤازرة لقوى الأمن خارج أسوار السجن وفي محيطه.

سجن رومية كان بنداً أساس أدرج على جدول اعمال الخطة الأمنية التي طالت تباعاً: الضاحية وطرابلس والشمال والبقاع وصيدا، وبقي التوقيت معلّقاً على مسار تطوّر الأحداث، خصوصاً تلك التي لها علاقة مباشرة بالمخطوفين العسكريين، فيما تشير المعلومات الى أنه تمّ تأجيل عملية الاقتحام أكثر من مرة.

لكن التفجيرين الانتحاريين في جبل محسن مساء السبت الماضي سرّعا في ترجمة قرار سبق أن بَصم عليه الرئيس تمام سلام، وكان ينال قسطاً من النقاش في اجتماعات «خلية الأزمة». كان التوقيت، عملياً، يحتاج الى محفّز ما يدفع باتجاه تنفيذ العملية «على الحامي».

هكذا، وبدلاً من أن يشهد اللبنانيون، على عملية تبادل تشمل عدداً من الموقوفين الإسلاميين من سجن رومية في مقابل الإفراج عن عدد من العسكريين المخطوفين، التزاماً بأمر واقع كانت «داعش» و «النصرة» تحاولان فرضه على الحكومة اللبنانية، وفي وقت كثرت فيه السيناريوهات حول إمكانية اقتحام عناصر إرهابية سجن رومية من أجل «تحرير» بعض سجنائه، فإن العملية الأمنية «النظيفة» ستقود الى خلق أمر واقع جديد لمصلحة السلطة والأجهزة الأمنية.

أكثر من مرّة اعترف وزير الداخلية السابق مروان شربل باستحصال القوى الأمنية على أجهزة التشويش، التي قّدر سعرها بنحو 700 ألف دولار، والتي تمنع المحكومين والموقوفين في طابق الإسلاميين من استخدام هواتفهم الخلوية وأجهزة الإنترنت للتواصل مع التنظيمات الإرهابية خارج السجن، لكن بكل بساطة لم يكن القرار السياسي الجامع متوافراً لضغط زر تشغيله.

أتت حكومة تمام سلام وبقيت الأجهزة مطفأة، إلى ان قرّر المعنيون ساعة الصفر لتشتيت نزلاء المبنى «ب» وتوزيعهم على مبان أخرى، بما سيمكّن عسكريي وضباط سجن رومية من السيطرة على السجناء وضبط تحركاتهم وقطع جسور التواصل بينهم وبين الإرهابيين في الخارج، ومنع عمليات الهروب المتكرّرة، تحت سقف قرار سياسي تجاوز الخطوط الحمر التي حمتهم لسنوات طويلة. قرار يفترض ان يشغّل أجهزة التشويش تلقائياً.

ويُذكر أن الوزير نهاد المشنوق، ومنذ تسلّمه وزارة الداخلية، وضع تصوّراً لحلّ أزمة سجن رومية على مرحلتين من ضمن مقاربته لمكافحة الإرهاب، منها خطوة تجهيز مبنى مجاور لنقل الموقوفين الإسلاميين إليه من أجل تفكيك قنبلة المبنى «ب». وفيما جاهر باكراً بضرورة كسر «تابو» سجن رومية، كان بعض الدائرين في فلك «تيار المستقبل» يتعاملون مع السجن بوصفه من المحرّمات!

وفي الوقت الذي لم يُعرَف فيه بعد مدى تأثير عملية إخلاء المبنى «ب» على ورقة التبادل مع المخطوفين العسكريين وعلى مصير هؤلاء بعد نقلهم الى غرف يسهل مراقبتها وضبطها، فإن أوساطاً معنية تشير الى أن «فرع المعلومات» هو الذي سيتولى مباشرة الإشراف على الترتيبات الجديدة داخل المبنى الذي تمّ نقل الموقوفين الإسلاميين إليه، فيما تبقى التساؤلات حول المدى الذي ستبلغه عملية التضييق على هؤلاء وحرمانهم من الامتيازات والتسهيلات.

ويبدو ان الحكومة، بعد نقاشات مستفيضة وأخذ ورد وممانعة من جانب البعض، اختارت أسلوب الضربة القوية على الرأس وليس الصفعة. فثّمة اقتراحات سابقة طرحت على طاولة المعنيين قضت باتخاذ القرار «الكبير»، بعزل «غرفة العمليات» في سجن رومية عن الخارج، عبر قطع كل إمدادات التواصل مع الخارج من دون اقتحام السجن، لكن تكرار العمليات الإرهابية التي كشفت عن خريطة اتصالات هاتفية بين «أمراء» رومية والمسؤولين عن بعض التفجيرات الانتحارية، دفعت الأجهزة الأمنية، بغطاء كامل من الحكومة، الى تحديد ساعة الصفر لإخلاء مبنى «الحاكمين بأمرهم» و»بأمر الشريعة».

وقد سبق لعدد من الوزراء والأمنيين أن قال بصريح العبارة على طاولة النقاشات إن مكافحة الإرهاب لا تستقيم فقط بإقفال «معابر الموت»، والأمن الاستباقي، وملاحقة شبكات الخاطفين وسارقي السيارات، ومراقبة الحدود، بل عبر ختم «إمارة رومية» بالشمع الأحمر، ومنع الامتيازات عن الموقوفين والمحكومين بجرائم إرهابية، في مقابل تسريع محاكمة من لم تتم محاكمتهم بعد.

42 سجناً ونظارة

تعداد السجون في لبنان حسب إحصاء «الدولية للمعلومات» 42 سجناً ونظارة، عدا السجون العسكرية والمسجونين. في آخر إحصاء جاء على لسان ممثل وزارة العدل رجا أبي نادر في ندوة «التوقيف الاعتباطي وأوضاع السجون» في كلية الطب في جامعة القديس يوسف أكد أن تعداد المساجين 5798 سجيناً، 63% من مجموعهم لم تصدر أحكامهم فيما 37% صدرت أحكامهم.