IMLebanon

“طوفان الأقصى” في سياق الحروب المصيريّة

 

لا تزال عملية «طوفان الأقصى» تثير العديد من التعليقات والتحليلات من كافة الاتجاهات وفي كافة الاتجاهات، وكان الملفت أنّ السيد حسن نصرالله سيظهر ثانية على التلفزيون بعد ظهر السبت القادم يحدد بشكل أدّق ربما موقف «حزب الله» من أحداث المنطقة، ولا سيما بعد الجريمة المروّعة التي ارتكبت بحق ثلاث فتيات عمرهنّ بين العاشرة والرابعة عشرة وهنّ من تلميذات مدرسة «القلبين الأقدسين»، استهدفن بالقصف في سيارة قرب عيناتا في الجنوب وتوفيت معهنّ جدتهنّ وأصيبت والدتهنّ. هذا الحادث المفجع أثار مشاعر اللبنانيين جميعاً. وما من شك في أنّه ستكون لهذا الحادث ارتداداته على مشاعر وتفكير وموقف وصوت السيد نصرالله، بحيث سيؤدي حكماً إلى رفع التحدّي في موقف «حزب الله» وما يجري في الجنوب، خاصة وأنّ الاحتفال سيتم في يوم الشهيد.

 

على أي حال، وبالرغم من المأساة التي يحيا فيها الجنوب خاصة ولبنان عامة، لا بدّ من العودة إلى حقيقة التجربة التي يمرّ بها لبنان و»حزب الله» وفلسطين و»حماس» واسرائيل والصهيونيّة وصولاً إلى مصر وما يجري حولها وما يراد لها من كافة الجهات والجبهات. نحن أمام تجربة حروب مصيريّة تتجاوز الشكل إلى الجوهر وتطرح علامات استفهام تاريخية حول مصير دول المنطقة: ما هي عليه! وما ستؤول اليه، كيف؟ ولماذا؟

 

أولاً: حرب التحدّي الديمغرافي

 

وهي حرب شغلت اسرائيل منذ انشائها وتشغلها اليوم وستشغلها غداً. دولة اليهود هي دولة ذات ديمغرافيا محدودة وذلك لمحدوديّة اليهود في العالم وهو في حدود العشرين مليوناً ولقد سعت اسرائيل دائماً لسد هذه الفجوة الديمغرافية العددية في بنائها الدولاتي. وأنّ نسبة الولادة لدى اليهوديات محدودة (نحو 2%) كانت اسرائيل تعمد إلى وسيلة استقبال المهاجرين اليهود من دول العالم ولا سيما حيث توجد جالية يهودية كبرى وفي مقدمها الجالية في روسيا. ومن جملة الخدمات التي أدّاها هنري كيسنجر وزير خارجية أميركا وهو يهودي، السعي لتهجير اليهود السوفيات إلى اسرائيل وهم في حدود المليونين. ومع ذلك يبقى خطر الديمغرافية العربية السنية قائماً داخل اسرائيل وحولها. وتحاول أن تتخطاه. ولعل تجربة حرب طوفان الأقصى هي نموذج للصراع العربي بين العرب واليهود. لقد كان هدف «حماس» من هجومها على اسرائيل اقتلاع الديمغرافيا اليهودية من فلسطين. وكان رد اسرائيل هي الأخرى، محاولة اقتلاع العرب من غزة خاصة وفلسطين عامة. إنّها حرب مصيرية بين اتنيتين متواجهتين على جغرافيا الشرق الأوسط عامة، وداخل فلسطين خاصة.

 

ثانياً: حرب التحدّي النوويّ

 

وقد جاء تصريح لوزير التراث في حكومة ناتنياهو أيّد فيه احتمال إلقاء قنبلة نووية على غزة لقتل جميع من فيها باعتباره «أحد الخيارات». وسارع مكتب ناتنياهو إلى الرد واصفاً تصريحات وزير التراث في حكومته اميخاي الياهو بأنها «بعيدة عن الواقع». هذا التصريح طرح عدّة اشكاليات متصلة بالسلاح النووي وبامتلاك اسرائيل لهذا السلاح ولضرورة استعماله!

 

1 – إنّ تدمير غزه بما ومن فيها يأخذ معه الغرباء غير المقاتلين ويشمل الرهائن الذين يفوق عددهم 240 رهينة.

 

2 – إنّ تصريح الوزير الياهو فيه خروج عن الأصول التي فرضتها اسرائيل على المسؤولين فيها، منذ خمسينات القرن الماضي. أي منذ بدء مشروعها لانتاج سلاح نووي والقائلة بعدم التصريح عن امتلاك اسرائيل لسلاح نووي، ويأتي تصريح الوزير الياهو باعتباره خروجاً على هذه الأصول. ولذا سارع ناتنياهو إلى تعليق مشاركة الوزير الياهو في اجتماعات الحكومة. في حين حاول الوزير الياهو تعديل مضمون كلامه باعتباره كلاماً «مجازياً» ذلك أنّ اسرائيل لم تعترف يوماً على لسان أحد مسؤوليها بامتلاكها القنبلة النووية!

 

3 – وجاءت ردود الفعل قاسية وغاضبة على تصريح الياهو باعتبارها «تعبيراً عن نازية الاحتلال وممارسته لسياسة الابادة الجماعية»، وكانت ردّة الفعل السعودية الأكثر ادانة واعتبرت أنّ تصرح الوزير الاسرائيلي بالقاء قنبلة نووية على غزه، بمثابة علامة على تغلغل التطرف والوحشية لدى اعضاء في حكومة اسرائيل. كما دان الأردن هذه التصريحات باعتبارها دعوة للإبادة الجماعية وجريمة كراهية لا يمكن السكوت عنها وتحريضاَ على القتل، وارتكاب جرائم حرب.

 

4 – هذا التصريح طرح على بساط البحث وضع اسرائيل كقوة نووية ودولة صغرى جغرافياً ولكنها تمتلك سلاح الدمار الشامل لاستخدامه دفاعاً عنها. وفي هذا يؤكد الباحثون الاستراتيجيون لبلدان الشرق الأوسط بأنّ اسرائيل هي خامس قوة نووية في العالم بعد: روسيا وأميركا وفرنسا والصين ولديها في حدود /‏250/‏ قنبلة نووية.

 

ثالثاً: حرب التحدّي الجيو- استراتيجي/‏ الاقتصادي

 

وفي مثل هذا التحدي تحاول الدولة العبرية ان تحقق هدفين كبيرين: الأول جيو- سياسي، باضعاف مصر غريمتها في المنطقة والعالم العربي والاسلامي. والثاني جيو- اقتصادي، بتحقيق حلم دافيد بن غوريون بانشاء القناة البحرية عبر اسرائيل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. هذا مع الحلم التاريخي الذي راود بن غوريون منذ الخمسينات من القرن الماضي كان الهدف منه ولا يزال: جعل اسرائيل ممراً دولياً للآليات والبضائع والبشر والأفكار. اضعاف دور مصر في هذا المجال. والاستفادة من رسوم العبور وهي بمليارات الدولارات.

 

وهكذا تكون اسرائيل تعمل كل ما بوسعها لإضعاف دور مصر وأهميتها الاقليمية باعتبارها رائدة الجامعة العربية وقاعدة للفكر الاسلامي لأهل السنّة عبر جامعة الأزهر الشريف. ومن المهم التذكير بأنّ كتَّاب الاستراتيجيات الدولية يعتبرون أنّ اسرائيل دولة حاجزاً بين مصر- وسوريا. وفي ضوء ذلك يفهم ما يحدث الآن داخل مصر وحولها من أوضاع مضطربة في ليبيا والسودان واثيوبيا. يضاف إليها بشكل أساسي مسألة مياه نهر النيل وسد النهضة. وعدم احترام اثيوبيا لاتفاقات النهر التاريخية بين بريطانيا ومصر في اقتسام مياه النهر. ما ينذر في أية لحظة بانفجار الصراع بين الجانبين.

 

إنّ إضعاف مصر واشغالها هو هدف تاريخي ومصيري لاسرائيل التي تسعى لتهجير السكان من شمال قطاع غزه إلى غربه، وإلى سيناء أي مصر بالذات. في حين يعتبره بعض العقائديين المشرقيين الجزء الجنوبي من سوريا الكبرى. من هنا يمكن القول إنّ حرب «طوفان الأقصى» طرحت من جديد على بساط البحث طبيعة وحقيقة دول المنطقة. إنها بالتأكيد الحروب المصيريّة!