شغلت عملية «طوفان الأقصى» العالم كله، من خلال محاولات تحليل الأسباب التي أدّت الى نجاح «حماس» في اختراق دفاعات وتحصينات إسرائيل ومهاجمة مستوطنات «غلاف غزّة» بنجاح باهر أدهش المراقبين والمتابعين.
وكانت المعالجات كلها تعكس عاطفة المحلّل السياسي وميوله… وبالتالي لم تكن المعالجة موضوعية تماماً… وكم بتنا بحاجة الى محاولة معالجة أسباب نجاح «حماس» في هجومها، وسرعة هذا الهجوم عن أقلام محايدة، بعيدة عن ضغط أميركا وحليفتها إسرائيل.
من هنا وقع اختياري على محلّل أميركي، بريطاني الأصل هو الكاتب ديڤيد سورنسن، رجل الأعمال والمحلّل السياسي المعروف… وهو الذي أحب الكتابة في الأمور السياسية… لكنه عُرِف بموضوعيته وحبّه للحقائق حتى ولو كانت ضدّ ما يؤمن به.. فهو اعتاد على تحليل الأمور بعقلانية ثابتة خصوصاً خلال عمله في فرجينيا ومن ثمّ في كاليفورنيا. ولربما اكتسب موضوعيته تلك من خلال عمله كخادم للكنيسة في شمال غرب أميركا بين عامي 1998 و2005.
يقول الكاتب من خلال عرض متلفز مصوّر: «في غضون ساعات من فجر يوم السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول، استطاعت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) اختراق حاجز «غلاف غزّة» شديد التحصين وسط ذهول من الاسرائيليين الذين لم يتخيّلوا أن تتحطم تحصيناتهم وتتفرّق صفوفهم ويتساقط منهم القتلى. لقد بنى الاسرائيليون حول قطاع غزّة المحاصر سياجاً حديدياً بطول 50 كيلومتراً، وزوّدوه بأجهزة استشعار ورادارات وكاميرات لكشف التهديدات القادمة من غزّة، ولم تكتفِ دولة الاحتلال بذلك، بل شيّدت أيضاً حصناً اسمنتياً بطول الحدود مع غزّة بعمق تسعة أمتار تحت الارض، لمنع تسلّل المقاتلين عبر الأنفاق الى المستوطنات الاسرائيلية.
ورغم كل تلك التعجيزات والتجهيزات الضخمة، أتى الهجوم المفاجئ والمباغت من الجو، من فوق التحصينات وباستخدام طائرات مسيّرة رخيصة الثمن، ومظلات هوائية بسيطة محمولة على مدفع رشاش، حملت كل مظلة منها جنديين اثنين فقط. وصواريخ رجوم قصيرة المدى.
سمحت هذه الأدوات البسيطة التي استخدمها مقاتلو «كتائب القسّام» بالتغلب على تكنولوجية الجيش الاسرائيلي الذي يُعد من الجيوش الأكثر إنفاقاً في العالم بميزانية ٢٣ مليار دولار سنوياً، ومنظومة القبة الحديدية ومنظومة مقلاع داود بعيدة المدى.
من هنا يشرح المحلل ديڤيد سورينسن في ڤيديو نشره الأمر قائلاً:
قبل تنفيذ العملية، كانت هناك جملة من المعطيات المستعصية التي تجعل أي هجوم من غزّة نوعاً من المستحيلات. فلا يمكن نظرياً التسلّل عبر البحر، لأنها مغامرة غير مضمونة النتائج في ظل الرقابة التي تفرضها بحرية الاحتلال في حصار شديد وأبراج الاتصالات والكاميرات المتطورة المزوّدة بتقنية التعرّف على الوجوه.
ومع ذلك فوجئت إسرائيل نفسها، ان المقاومة وجدت طريقها الى اختراق تلك التحصينات، حيث أطلقت المقاومة في البداية وابلاً من الصواريخ الكثيفة بلغت نحو خمسة آلاف صاروخ صوب مختلف المستوطنات الاسرائيلية المتاخمة للقطاع.
يتابع الكاتب: هنا بدأت في إسرائيل تساؤلات بلا أجوبة عن فشل الجيش الاسرائيلي ونجاح «حماس». فالمحلل عاموس هرئيل اعتبر الهجوم الحماسي فشل كارثي من شأنه أن يتسبّب بصدمات سياسية. اما المحلل يوسي يهوشع فاعتبر ان «حماس» فاجأت الجيش الأقوى الذي لا يُقهر.
الى ذلك، يضيف الكاتب: وفي وسائل الإعلام الاسرائيلية برزت تساؤلات عن الفشل الاستخباري، وعن مرارة اقتحام مئات المسلمين (قدّرهم الكاتب بـ400) للتجمعات الاسرائيلية في غلاف القطاع. واعتبرت وسائل الاعلام ان ما حدث هو فشل تتقاسمه القيادة السياسية والعسكرية بأكملها.
إزاء كل هذه التساؤلات بدأ الاسرائيليون يوجهون أسئلة كثيرة وهي تمتزج بمشاعر الغضب والإحباط تجاه السلطات السياسية والعسكرية لفشلها الذريع في حمايتهم.. واعتبروا ذلك إخفاقاً إسرائيلياً عميقاً، خصوصاً ان الاسرائيليين يتذكرون ما قاله أحد جنودهم ذات يوم وهو أوري غيفاني: يجب أن نعامل الفلسطينيين بالتنكيل حتى يخافوا منا… كما سارع الكثيرون الى الحديث عن إخفاق استخباراتي مماثل لإخفاق الاستخبارات عام 1973 حين أخفقت في قراءة الاستعدادات المصرية والسورية بدقة.
وكان رد إسرائيل لحفظ ماء الوجه بعد اسبوعين وبمساعدة أميركية مفتوحة. فللمرة الأولى استخدام الرئيس جو بايدن لغة قوية ومباشرة في تحذير إيران وحلفائها للبقاء خارج القتال. وتزامن ذلك مع وصول أول حاملة طائرات أميركية في هذه الأوقات… ويقول المحللون إنّ تأييد بايدن لم يتفوّق عليه في الدعم المطلق لإسرائيل سوى ما قامت به عائلة روتشيلد.
لقد كان إدموند روتشيلد (1845- 1934) من أكبر المموّلين للهجرة اليهودية الى فلسطين، فقام بتمويلها وحمايتها سواء سياسياً أم عسكرياً، ثم تولى حفيده ويسمى على اسمه رئاسة لجنة التضامن مع إسرائيل عام 1967 وقدّم استثمارات ضخمة لإسرائيل خلال فترة الخمسينات والستينات. وآل روتشيلد هي عائلة أسسها تاجر العملات اليهودي الألماني إسحق روتشيلد في القرن السادس عشر الميلادي.
يتابع الكاتب:
سأقول الحقائق كما هي.. إذ لا يمكن إنكار الحقائق مهما عتّم الآخرون عليها.. لقد أثارت عملية «حماس» بلبلة واسعة جداً في إسرائيل. إذ كيف دخل مئات من عناصر «حماس» -كما ذكرنا- «غلاف غزّة»؟ وأين كان الجيش الاسرائيلي؟ وهل كان مطمئناً لما قام به من تحصينات؟
الجميع يتساءلون: لماذا مُنِحت «حماس» ممراً آمناً لدخول «غلاف غزّة»؟ واشتد ذهول الاسرائيليين من غياب الحماية اللازمة، وعدم كشف ما جرى من قِبَل المخابرات الاسرائيلية.
إنّ ما قام به بنيامين نتانياهو وجيشه عند اقتحام غزّة، أثار استغراب العالم كله… لقد أمر بتدمير غزّة تدميراً شبه كامل، وإبادة شعب يتعدّى المليونين بقليل، وإذا لم يستطع قتلهم وإبادتهم جميعهم… فيعمد الى تهجيرهم الى سيناء، وتهجير فلسطينيّي الضفة الى الأردن.
وبدأ -حسب الكاتب- الاسرائيليون يتساءلون: قيل لنا إنّ إسرائيل هي التي أوجدت «حماس»، حتى تبرّر حروبها لقتل الفلسطينيين.
هذا الأمر وإن لم يكن «واقعياً» إلاّ أنه يبقى افتراضاً لم يبرّئ إسرائيل وحكومة نتانياهو من تهمة التقصير الذي أدّى الى إذلال الجيش الاسرائيلي. كما انه بدأ يقلب الرأي العام العالمي ليصبح مع «حماس» بعد رؤية قتل الأطفال والنساء والشيوخ.
أعتقد أنّ نهاية نتانياهو صارت قريبة جداً.