IMLebanon

نارة يا ولد

 

نامت منطقة الشرق الأوسط، مطلع الأسبوع الحالي، على ترقب لما ستؤول إليه معادلات المواجهات بين إيران وإسرائيل بعد ليلة المسيرات، واستفاقت مع «الويك أند» على هجوم بمسيّرات صغيرة على أصفهان، انطلقت من الداخل الإيراني، تمّ التصدي لها بأنظمة الدفاع الجوي… على ذمة الراوي.

 

وعلى الرغم من السعي الإيراني الواضح فور الهجوم للتقليل من أضراره وإظهاره كحادث أمني عابر، والإشارة إلى أن العملية لا تستحق حتى الرد عليها، يبقى أنّ مآل معادلة الردع الاستراتيجي الذي أنهى مرحلة الصبر الاستراتيجي، لا يزال ملتبساً ومفتوحاً على الاحتمالات المتناقضة والمتراوحة بين التصعيد أو بين حث الجميع على الانطلاق نحو تسوية، ستكون المفاوضات بشأنها قائمة ربما على معارك صغيرة ومحدودة وكفيلة بتحسين أوراق المفاوضين.

 

وباكورة هذه المعارك جاءت مع إعلان وزارة الخزانة الأميركية الأربعاء فرض عقوبات جديدة على 16 فرداً وكيانيْن يعملان على تمكين إنتاج المسيّرات الإيرانية، وذلك بالتنسيق مع بريطانيا، وقرار دول الاتحاد الأوروبي، لتشير إلى أن فصلاً جديداً قد فتح في مقاربة ملف العلاقة مع طهران.

 

وليس بعيداً عن العقوبات، لا بدّ من التوقف عند تقرير مجلة لوبوان Le point الفرنسية الذي يتحدث عن «مليارات «حزب الله» ومصادر تمويله بما في ذلك تهريب المخدرات وغسل الأموال، وأسلحته وسيطرته على الدولة اللبنانية»، وفيه الكثير من معلومات كانت قد وردت في تحقيق استقصائي عرضه قبل سنوات التلفزيون الفرنسي، مع إضافة توضح أنّ المخدرات التي يتاجر بها داعمو «حزب الله»، قد تكون مخبأة في صناديق الأناناس أو شحنات الموز لشحنها إلى أوروبا أو إلى أميركا الشمالية. والأهم أنه بات ممكناً تحويل المخدرات إلى فحم، إذ طوّر الكيميائيون العاملون في تصنيع الكوكايين تقنية لتشويه المسحوق الأبيض وتغيير مظهره ورائحته، لجعله غير قابل للاكتشاف عبر الكلاب البوليسية المدربة. كذلك تم تسجيل عبور شحنات الفحم بكثافة ما بين العامين 2016 و2021 إلى لبنان ودول عربية أخرى، ليس لتعزيز رواج تدخين النارجيلة، ولكن لتسهيل الاتجار بالمخدرات.

 

وليس صدفة هذا التزامن بين العقوبات على إيران والاتهامات الموجهة إلى «حزب الله»، ففيه ما يشي بأن التعامل الخشن مع «الحزب» قد بدأ او ينذر بالبدء، بعد جهود دبلوماسية أميركية لمنحه جوائز ترضية قابل انسحابه من جنوب الليطاني. وهذا ما يضع لبنان في عين عاصفة «حرب المسيرات» وتطوراتها، أو كأن المواجهة لم تعد بين مربعات منفصلة عن بعضها البعض، لتصبح إيران وذراعها اللبناني في سلة واحدة، مقابل الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا كسند لإسرائيل.

 

وفي هذا التطور ما يؤشر إلى انتقال الثقل من «حرب غزة» وتفاصيلها، لتصبح ثانوية، فينحسر الاهتمام بها، وكأنّ لا حاجة للبديل مع نزول الأصيل إلى الساحة، الذي حاول البقاء على الحياد بعد إصدار الأمر بتنفيذ عملية «طوفان الأقصى» لقطع الطريق على شروط سعودية تربط التطبيع مع إسرائيل بحل الدولتين ومنح الفلسطينيين حقوقهم. ولا يملك اللبنانيون في خضم هذا التطور إلا خوفهم من تطور الصراع وانفلاته، لأنهم بين فكي كماشة، جراء مصادرة إيران لقرارهم الوطني وتحكمها بمصيرهم، من جهة، واستمرار التهديد الإسرائيلي بإعادتهم إلى ما قبل العصر الحجري، من جهة ثانية. ومع انتقال المواجهة إلى الأصيل، يصبح جليّاً أن «حزب الله» سيفقد بعضاً من الاستقلالية التي كان يدير بها «حرب المشاغلة»، بالتالي ليس لدى اللبنانيين إلا انتظار ما سوف تتمخض عنه هذه المواجهة، مع نفس نارجيلة يشتعل بالفحم المستورد بين عامي 2016 و2021. ونارة يا ولد.