القرار الأميركي يحدِّد مسار الأمور حرباً أم سلماً بالمنطقة
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لدى معظم اللبنانيين، هو هل تمتد شرارة العملية العسكرية التي تشنها حركة حماس ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شريط غزّة الى جنوب لبنان، بعد سلسلة من الاحداث التي سجلت خلال الساعات القليلة الماضية، على هامش هذه العملية؟
لا تُسقط جهات مراقبة من حساباتها اشتعال جبهة الجنوب، ومشاركة حزب الله في العمليات العسكرية الجارية، في قطاع غزة ومن حوله في حالتين، الأولى، بطلب من الجانب الايراني لتخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي عن حركة حماس، اذا تعرض القطاع إلى اجتياح عسكري إسرائيلي برّي واسع النطاق، كما لمّح إلى ذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في مكالمته الهاتفية مع الرئيس الاميركي جو بايدن مؤخرا، وكما يهدد ويلوح بذلك عدد من قادة الجيش الاسرائيلي، لتعويض الفشل الذريع الذي مُني به الجيش الذي وصف تبجحا بأنه لا يُقهر، ولإعادة الحد الادنى من الثقة المفقودة به، جراء الخسائر الفادحة التي مُني بها، والأعداد الكبيرة للاسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في أيدي حركة حماس.
ولكن بالرغم من كل التهديدات الإسرائيلية باجتياح القطاع، والتي تهدف إلى رفع معنويات الجيش الإسرائيلي وسكان المستوطنات الإسرائيليين، الذين هربوا من المستوطنات التي زُرعوا فيها على حساب اصحاب الأرض الفلسطينيين، لا تزال هناك جملة عوائق وصعوبات تعيق عملية الاجتياح العسكري الإسرائيلي للقطاع، وتجعل الإقدام على مثل هذه العملية، محفوفة بمخاطر وتحديات جمّة وبمثابة مغامرة غير محسوبة، ولو هدد نتنياهو بتصفية الحساب مع قادة حركة حماس والتبشير بمرحلة مختلفة وشرق اوسط جديد، لأسباب عديدة، أولها، لأن تدمير القطاع الممنهج، كما يحصل اليوم، وقطع المياه والكهرباء والتموين الغذائي عنه، وإن كان يشكل ضغطا على الحركة جراء معاناة المدنيين الغزاويين، الا انه لا يلغي بوجود المقاومة الفلسطينية محصنة بسراديب وممرات تحت الارض، تجعل الاجتياح العسكري الإسرائيلي مكلفا، وقد يزيد من ترهل الجيش الاسرائيلي، والحاق اضرار اضافية جسيمة به، بينما، تضيف مسألة الاسرى الإسرائيليين باعدادهم الكبيرة غير المسبوقة، ورقة قوة وضغط بيد حماس، وعنصر ضعف لدى الجانب الاسرائيلي.
ومع ان هذا الخيار غير مؤكد بعد، لان ارباكات العملية العسكرية التي تشنها حركة حماس ما تزال متواصلة، ولم يستطع جيش الاحتلال الإسرائيلي بحسم المعركة لصالحه، بالرغم من امكانياته الضخمة، بينما توحي امكانيات الحركة واساليبها القتالية المتنوعة، انها ليست بحاجة بعد إلى تدخل حزب الله الى جانبها في المواجهة المحتدمة بعد حتى إشعار آخر، الا ان المناوشات وعمليات القصف وتبادل اطلاق النار وسقوط ضحايا من الحزب والمنظمات الفلسطينية المتحالفة بالجانب اللبناني، تعرّض الوضع لشتى المخاطر، وتفتح الباب واسعا أمام تمدد اشتباكات غزّة.
اما الحالة الثانية والمؤكدة لمشاركة حزب الله بالمواجهة المحتدمة حاليا في قطاع غزة والجوار، تكون لدى قيام إسرائيل، والولايات المتحدة الأميركية، او كلاهما بالاعتداء وشن هجوم استراتيجي واسع النطاق ضد ايران، كما لمّح بذلك أكثر من مسؤول إسرائيلي من قبل، وعندها لن يكون هناك مفرّ للحزب من المشاركة العسكرية الواسعة من جبهة الجنوب اللبناني، بالرغم من المخاطر والتداعيات الخطيرة على الداخل اللبناني، الذي يعارض باكثريته الساحقة، توريط لبنان بمغامرات غير محسوبة، تلحق به مزيدا من الأضرار والانقسام الحاصل.
ما يحصل على جبهة الجنوب حاليا، تردّه الجهات المراقبة إلى تبادل رسائل نارية بين الحزب وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ضمن منطقة متنازع عليها، كانت منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١، بمثابة صندوق بريد للطرفين معا، حتى ولو تخللها سقوط ضحايا من الجانبين، لان مجازفة اي طرف بتغيير قواعد الاشتباك القائمة، دونه مخاطر، وإن كان هذا الواقع قابلاً للتغيير بعد هجوم حركة حماس على غزّة.
الاهم هو مراقبة كيفية تعاطي الادارة الاميركية مع الواقع المتفجر بالمنطقة، والقرارات التي ستتخدها بهذا الخصوص، والتي تحدد مسار الاشتباكات الحاصلة، وما اذا كانت تستغله لاطلاق مفاوضات سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ام انها ستكرر اخطاءها السابقة، بتجاهل عملية السلام والاستمرار بنهج الانصياع الكامل لمصالح إسرائيل، وعندها يبقى الصراع متفاقما والمنطقة كلها على كف عفريت.