لم يخرج العدو الإسرائيلي من وقع الصدمة التي لحقت به من جراء عملية “طوفان الأقصى” بعد، على الرغم من اعتداءاته المتواصلة على غزة للتقليل من وقع الانهيار المعنوي والعسكري في صفوف جيشه، الذي أصيب بنكسة قتالية قاسية يصعب تخطيها والتعويض عنها بأي عمل عسكري، مهما كان حجمه التدميري عظيما.
عملية طوفان الاقصى بنتائجها ومستواها شبيهة بـ ١١ أيلول ٢٠٠١، حيث شكلت مفاجأة ليس لـ “إسرائيل” وحدها، بل لحركة حماس التي ربما لم تتوقع ان تخرج من عملية خاطفة استمرت يوما واحدا، بما غنمت به من إصابات وأسرى وخسائر معنوية ضربت هيبة الجيش “الإسرائيلي” في الصميم، ومع ان خطة الانتقام التي تعدها “إسرائيل” صارت في جزء منها واضحة باجتياح بري لغزة ، فان ما خفي من ردود فعل “اسرائيلية” على الهزيمة لم يظهر بعد، وهو ما يجري التحسب له وترقبه في لبنان وفلسطين ودول العالم، كما يتم ترقب اي مفاجآت قد تأتي من الساحة اللبنانية .
في كل الاحوال، فإن عملية ٧ تشرين اعادت الى الأذهان حرب تموز ٢٠٠٦ بكل مجرياتها، حيث العدوان الإسرائيلي على الجنوب نال الحصة الكبرى من الاعتداءات، وهذا ما يتحسب له حزب الله اليوم، فهو مسؤول عن شعب وبيئة حاضنة يساعدها في الأزمات، ويعرف تماما كيف يفكر “الإسرائيليون” في الهزائم الكبرى، وما هي ردود فعلهم، كما ان الحزب مدرك حجم التحولات الداخلية والوضع الداخلي المأزوم، الرازح تحت وطأة ملفات النزوح والانهيار.
لذلك فان الحزب، كما تقول المعلومات، متأهب للمواجهة عسكريا بالدرجة الاولى، وعلى كل الصعد الميدانية والشعبية من خلال خطة طوارىء للحرب عندما تقع، ففي حرب تموز ٢٠٠٦ نزح ما يقارب مليون ونصف مليون لبناني من بلداتهم الجنوبية والضاحية، و”الثنائي الشيعي” يواكب اي حدث او تطورات على الصعيد الأمني، وعليه فان استراتيجية التعاطي مع أي حدث أمني جاهزة استنادا الى تجربة الـ ٢٠٠٦ ، فتأمين عناصر النزوح الآمن من عوامل الانتصار في الحرب إذا حصلت، بتأمين الوحدات السكنية ومتطلبات النزوح .
راكم حزب الله خبرات قتالية ضخمة مكنته من تحقيق انتصارات عسكرية، لكن جهوزيته العسكرية وحدها لا تكفي، فهناك حسابات سياسية واجتماعية واقتصادية من جهة ، وحسابات أخرى تتعلق بمسار حرب غزة والاعتداءات الإسرائيلية من جهة ثانية، فظروف المعركة اليوم لا تشبه حرب تموز اجتماعيا، نسبة الى الوجود السوري وارتفاع معدلات النازحين، وماليا نظرا للتدهور المالي والاقتصادي في البلاد، وعليه فان خطوات حزب الله مبنية من جهة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وعلى مسار الحرب في غزة.
فالأرجح، ان حزب الله لن يستبق المواجهة ما دامت الأمور ممسوكة من قبل حماس، ولن يتدخل إلا في حال تصاعد العنف ضد المدنيين في فلسطين، وتم الاجتياح البري لغزة او الاعتداء على لبنان وخرق قواعد الاشتباك، فهذان العاملان يدفعان الى منحى مختلف للأحداث، ففي معركة استراتيجية كبرى، لن يبقى حزب الله متفرجا اذا توسعت رقعة الاعتداءات والحرب، من هنا يرى كثيرون ان الوضع مفتوح على كل الاحتمالات في سياق وحدة الساحات التي ستغير المعادلات .
بالنسبة الى حزب الله لا حياد في هذه المعركة ولا مقاربة رمادية معها أيضا، فما كتب قد كتب في هذه المعركة، وما بعد طوفان القدس ليس كما قبله .