IMLebanon

عملية «الكوستا» تزيد الثقة الأمنية.. والشعبية

مرّة جديدة يُثبت التعاطي الرسمي في لبنان المعطوف على الأحداث والمستجدات الطارئة وتحديداً الأمنيّة منها، أن الأمن السياسي يُشكّل العمود الفقري للاستقرار الأمني في بلد يخضع لتركيبة متعددة ومتنوعة نوعاً ما حيث يحتاج فيه الاستقرار الآمن والهادئ، إلى توحيد القرار السياسي الذي غالباً ما يُشكّل دفعاً معنويّاً للأجهزة الأمنية ينتج عنه سقوط شبكات إرهابية وانتحاريين بيد القوى الأمنية، وآخرها ما عُرف بانتحاري «الكوستا» الذي ألقي القبض عليه، قبل لحظات من تفجير نفسه وسط زوّار المقهى.

إنجاز أمني نوعي جديد يُضاف إلى سجلات القوى الأمنية اللبنانية، تمثّل بإلقاء القبض على الانتحاري عمر حسن العاصي المُزنّر بثمانية كيلوغرامات بمواد شديدة الانفجار إضافة إلى كمية من الكرات الحديدية، بهدف إيقاع أكبر عدد من الخسائر بالأرواح والذي فصلت بينه وبين عملية تفجير نفسه داخل مقهى «الكوستا» في شارع الحمرا الرئيسي، دقائق معدودة، قبل أن يُلقى القبض عليه على يد عناصر من مخابرات الجيش وشعبة «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي، لينجو البلد من كارثة فعلية كادت أن تُدخله مجدّداً في دهاليز عمليات التفجير التي كانت قد استهدفته في مراحل سابقة، وآخرها كان استهدف بلدة القاع البقاعية العام الماضي، بعدما فجّر أربعة انتحاريين من تنظيم «داعش» أنفسهم على دفعتين، وسط الجموع أسفرت عن سقوط تسعة شهداء.

القوى الأمنيّة كانت قد كثّفت خلال الأيام القليلة الماضية، عملها في البحث عن انتحاريين ينوون تفجير أنفسهم بين الناس في أكثر من مكان، فألقت القبض على أحدهم في الشمال بينما كان في طور الإعداد لتنفيذ العملية. وعادة ما تكون مثل هذه العمليات الاستباقية، مبعث طمأنينة وثقة في نفوس المواطنين، أوّلاً لجهة عمل القوى الأمنية ويقظتها خصوصاً في ظل الاتفاق السياسي العريض الحاصل في البلد مع بداية العهد الجديد والتوليفة الحكومية الساعية إلى تثبيت عامل الاستقرار الأمني والاقتصادي، وثانياً تعزيز ثقتهم بالمؤسسات الأمنية الساعية على الدوام، إلى سد الثغرات التي يُمكن أن يتسّلل عبرها الإرهاب، لتنفيذ جرائمه في الداخل وزعزعة الأمن الذي بدأ يأخذ دوره الطبيعي في التمدد والسيطرة على الأوضاع أكثر فأكثر، من الشمال إلى الجنوب.

يوماً بعد يوم، تزداد قناعة اللبنانيين بأن عملية النأي عن الصراعات الحاصلة من حولهم والابتعاد عن الأزمات التي تعصف بالمنطقة بفعل الإرهاب الحاصل، وحدها التي يُمكن أن تُجنّبهم الخضات وعمليات التفجير التي يسعى الإرهابيون إلى استهدافهم من خلالها من حين إلى آخر. ويُضاف إلى عملية النأي هذه، عملية ضرورية تتطلب استعادة ثقة المواطن بأجهزة الدولة وهذا ما لوحظ بعد إحباط عملية «الكوستا»، حيث شوهد شارع الحمرا وهو يستعيد حركته الطبيعية من خلال عودة الناس إلى أشغالها وإصرار البعض الآخر على ارتياد المقاهي وخصوصاً المقهى الذي كان مُستهدفاً بعدما فتح أبوابه مجدداً أمام الرواد. فهذه الصورة، وحدها كفيلة بنقل مظاهر الارتياح التي عادت وسكنت وجوه المواطنين بعد شعورهم بالاطمئنان من خلال ركونهم إلى عمل المؤسّسات الأمنية وتحديداً لجهة قيامها بما يُعرف بالعمليات الاستباقية.

من نافل القول، إنه لا يوجد في كل العالم أمن ممسوك مئة في المئة، لكن وعلى الرغم من هذه النظرية السائدة والتي هي حقيقة مؤكدة، يصح القول إن ما قامت به الأجهزة الأمنية في لبنان خلال الأيام الماضية وما كانت نفذته خلال العام الفائت خلال عمليات توقيف مماثلة في بعض المناطق، هو إنجاز نوعي يُسجّل لبلد معروف بإمكانياته المحدودة والمتواضعة، قياساً مع إمكانيات الدول الكبرى التي تخصص مليارات الدولارات سنوياً في سبيل تعزيز قدرات مؤسساتها الأمنيّة. لكن في لبنان يبدو أن الأمر يرتكز بالدرجة الأولى، على التوافق السياسي وعلى توحّد أبنائه ودعمهم المؤسسات المعنية بتكريس الأمن، خصوصاً خلال الفترة الحالية التي يبدو فيها البلد أحوج من أي فترة سابقة، إلى تضافر الجهود وتوحيد الرؤية السياسية وتحديداً في ما خص مكافحة الإرهاب.

ويبقى اللافت في عملية الحمرا، أنه وككل مرّة يكون فيها البلد قاب قوسين أو أدنى من حصول عمل أمني أو إرهابي ما، تكثر الأقاويل والتحليلات حول وجود عناصر إرهابية أخرى تحوم في المكان نفسه، وهذا ما حصل تحديداً لحظة إلقاء القبض على الانتحاري العاصي، إلّا أن القوى الأمنيّة عزّزت بعد شيوع هذه الأخبار من تواجدها في المكان ومحيطه، وراحت تؤكد للجميع على الأرض، بأن «العملية» قد انتهت مع لحظة اعتقال الإرهابي العاصي، وهذا ما منح الناس جرعة أمنية إضافية تمثّلت بتواجد بعضهم بالقرب من «الكوستا» إلى جانب العناصر الأمنية، حتّى ساعات الفجر الأولى.