لم يعد العدد مهماً. ثمانية، عشرة، أو أحد عشر وزيراً. الأمر سيّان طالما أّنّ حكومة التفاهمات الكبيرة التي لا تجد للتصويت على طاولتها، مطرحاً، لن تستعين بقفّازات الأرقام لممارسة جولات من الملاكمة. أما ما بعد الحكومة، أي في مرحلة الشغور الرئاسي، إذا حصل، فتلك حقبة بقواعد وموازين مختلفة.
ومع ذلك، شهد مسرح التأليف منازلات من العيار الثقيل حول مصير «الثلث المعطّل» أو «الضامن»، أدّت إلى تأجيل الولادة القيصرية لحكومة العهد الثانية ثلاثة أشهر بالتمام والكمال، إلى أن رأت التشكيلة الثلاثينية النور، بينما بقي «عِقد» ثلثها ملتبساً، قابلاً للتأويل… والأخذ والردّ.
وفي حين أنّ وضعية الوزيرين افيديس كيدنيان وصالح الغريب في تكتل «لبنان القوي»، متوارثة من تجارب سابقة، فإنّ حيثية الوزير حسن مراد العابرة بين حصّة رئيس الجمهورية حيث وُضعت كرسيه، وتكتل «لبنان القوي» حيث سيجلس، و«اللقاء التشاوري» حيث وُلد، قادت سيلاً من التساؤلات حول اتجاه صوته على طاولة مجلس الوزراء… حتى حسمها فيصل كرامي.
بالأمس، قال كرامي في وضوح إثر اجتماع «اللقاء التشاوري» إنّ «مراد هو ممثل حصري للقاء ويصوّت بناء على قرار أعضائه ويحضر اجتماعاته».
في المقابل، فإنّ اجتماع المجلس السياسي لـ«التيار الوطني الحر» رفع منسوب الالتباس بين كتلة «التيار» وكتلة رئيس الجمهورية. اذ حضر الوزراء الثمانية الاجتماع الحزبي، حيث أعلن باسيل أمام الحاضرين أن الثمانية سيدأبون على المشاركة في اجتماعات المجلس السياسي، مع العلم أنّ المجلس السياسي السابق لم يكن يتسع الّا للوزراء الحزبيين، فيغيب غير الحزبيين كسليم جريصاتي مثلاً.
حتى أنّ الجردة السريعة للوزراء الثمانية تجعل من المستحيل الفصل ولو بالأسماء بين حصّة رئيس الجمهورية وتلك التي تعود الى «التيار». حتى أنّ تجربة الحكومة السابقة، حيث تماهى الفريقان في تكتل واحد رأسه باسيل، تجعل من «الخط الأزرق» الفاصل بينهما، أشبه بجدار رملي.
وبمعزل عن الاتهامات التي نالت من «التيار الوطني الحر» وحمّلته مسؤولية هدر الوقت بلا ثمار تُذكَر، فـ»التيار» قراءته لمسار التأليف وللأهداف التي حققها في الخلاصة، على ما تقول أوساطه:
- أولاً، تمّ تثبيت معيار التأليف لتأمين عدالة التمثيل، على قاعدة لكل خمسة نواب وزير (باستثناء «القوات اللبنانية»)، فيما كُرّست التعددية داخل الطوائف.
- ثانياً، الاصرار على الاستحواذ على 11 وزيراً، و«الأيام المقبلة ستثبت هذا الكلام».
- ثالثاً، من الطبيعي أن تكلّف المشاورات هذا المقدار من الوقت، خصوصاً أنّ المطالبات تدرّجت مع الزمن للوصول إلى السقوف الواقعية.
- رابعاً، إنّ تدخّل باسيل في كل مرة كانت تزداد فيه عِقَد التأليف، كان من باب المعالجة، خصوصاً وأنّ «التيار» استشعر أن هناك من يحاول تعطيل التأليف أو تعويم حكومة تصريف الأعمال، فتصدّى «التيار» لكلا الطرحين من خلال المساهمة في حلحلة العِقَد.
- خامساً، لا يمكن تجاوز واقع أنّ الحل الأخير الذي أفضى الى تسمية حسن مراد وزيراً كان من بين الاقتراحات الخمسة التي رفعها رئيس تكتل «لبنان القوي» إلى رئيس الحكومة المكلّف، حيث تبرّع «التيار» في معالجة أزمة الآخرين، لا أزمته.
لكن الأهم، حسب «التيار»، هو ما سيحققه في المستقبل، وفق جدول مهمات وضعه لنفسه ولوزرائه:
- أولاً، سيتم اقفال وزارة المهجرين، حيث سيتضمن البيان الوزاري تعهداً واضحاً في ذلك بعد اتمام المهمة.
- ثانياً، سيكون عمل وزارة شؤون النازحين متطابقاً مع الخطاب السياسي لـ«التكتل» مع ما يحمله ذلك من اجراءات استثنئاية، ستؤدي الى عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى سوريا.
- ثالثاً، الشروع في خطة نهوض اقتصادي متكاملة، والبدء بخطوات فعّالة لمكافحة الفساد مع تعهّد كل وزير بتقديم استقالته في حال الفشل في مهمته.
- رابعاً، القيام بمحاولات جدّية لإقفال ملفيّ النفايات والكهرباء بحلول سنة 2020.
أما بالنسبة الى التشكيلة الوزارية «البرتقالية»، فمعظم وجوهها من الوافدين الجدد، باستثناء ثلاثة.
طارت المفاجأة
في التفصيل، تبيّن أنّ باسيل حاذر ترك وزارة الخارجية وتجييرها لأي من «رفاقه»، خشية استثمارها ضده في طموحه الرئاسي من شبكة العلاقات والنوافذ التي تتيحها مع دوائر القرار العالمية.
وعلى رغم من اعترافه بحمله عشرين «بطيخة» في يد واحدة، الّا أنّه أبقى على البطيخة الأدسم بين يديه، مع أنه ألمح مراراً وتكراراً إلى أنّه يخبىء مفاجأة.
من الجنة… إلى جهنم
منصور بطيش قفز من «جنة» المال والحسابات الدقيقة بأرقامها، إلى «جهنم» السياسة وألغامها المتفجّرة من باب وزارة الاقتصاد. هو صديق شخصي للرئيس ميشال عون، يلتقيه دورياً، ويقال إنّ اسمه طُرح لحاكمية مصرف لبنان، ولو أنّه لم يُفاتح شخصياً بهذه المسألة.
علاقته ممتازة مع باسيل، ويتشاركان في تأسيس جمعية «الطاقة الوطنية اللبنانية» التي تهدف الى «تعزيز التنمية الإقتصادية في لبنان وبلورة الخيارات الإقتصادية.. وإطلاق مشاريع اقتصادية واستثمارية».لا بل يتردد أنّ بطيش وضع معظم الأوراق الاقتصادية التي تقدّم بها «التيار» في الفترة الأخيرة، أو كانت له بصمات فيها.
ابن بيت «شهابي» النهج والتفكير، يعتقد وفق عارفيه انّ «الكتاب» هو الحَكَم بين المؤسسات. ولذا يؤكّد هؤلاء إنّه ليس وافداً جديداً إلى عالم السياسة، لا بل هو من العاملين خلف الكواليس في ملف المصالحة المسيحية، وسبق له أن خاض جولات من المحاولة مع ابن منطقته شوقي الدكّاش.
الورقة المستورة
غسان عطا الله، كان مفاجأة تكتل «لبنان القوي»، ولو أن توزير ريا الحسن كان أكثر دوياً، فقط لكونها أول امرأة تُسند اليها «وزارة الرجال».
بقيت ورقة عطا الله مستورة حتى لحظة اعلان الحكومة، فـ»التيار» من كبيره إلى صغيره ما كان ليُصدّق أنّه صار من أصحاب المعالي حتى بعد قراءة اسمه في مراسيم التأليف. مناضل عوني من الصنف العتيق، لا يشبه غيره من المستوزرين في أرقام حساباته المالية. رأسماله الوحيد هو الرقم الذي سجله في الانتخابات النيابية حيث نال أكثر من 4100 صوت تفضيلي.
لكن عارفيه لمحوا خطوات عملانية في ملف المهجرين كلّفه بها رئيس الحزب، بدت كأنّها مرحلة تمهيدية لتبوئه المنصب الرفيع. عملياً، ثلاثة عوامل أساسية ساهمت في «ترفيع» عطا الله إلى مرتبة وزير:
- أولاً، «طفرة» المقاعد الكاثوليكية التي جُيّرت الى تكتل «لبنان القوي» ما ساعد في تجيير أحدها لمصلحة حزبي من الرعيل المؤسس.
- ثانياً، استحواذ «التكتل» على حقيبة المهجّرين ورغبة باسيل في تفعيل حضور الحزب في منطقة الجبل بعد الأرقام المشجعة التي تحققت خلال الاستحقاق النيابي.
- ثالثاً، حرص باسيل على توجيه رسالة «تودد» إلى المحازبين القدامى من خلال توزير «رفيق» لهم.
فيما يُعتبر فادي جريصاتي، وزير البيئة، من الحلقة الضيّقة اللصيقة بباسيل، والوجوه القديمة في «التيار»، ومن عائلة قضاة معروفة بـ«عونيّتها».