لان في كل «عرس له قرص» لم يرد مخيم عين الحلوة ان يشذ عن القاعدة هذه المرة، مع دخوله عين العاصفة الاقليمية، في ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها ساحته، المقتصرة على داخله حتى الساعة، من اغتيالات وحركة شعبية اعتراضية وتغييرات عسكرية، وعمليات تسليم مطلوبين انفسهم للدولة اللبنانية، فيما يبدو في سباق مع الزمن قبل ان يكون ما كتب اقليميا قد كتب. كل ذلك بمواكبة وفد رسمي فلسطيني للاوضاع بناء لتعليمات القيادة في رام الله، حيث خطوط الاتصال مفتوحة على مدار الساعة ترقبا وتحسبا لكل جديد قد يطرأ، رغم ان شيئا ما تغير وتبدل، من الحركة الشعبية المتصاعدة ، نتيجة تبدل موازين القوى فيه والرعب المسيطر من نكبة جديدة.
عمليات تسليم النفس، الغير مرتبطة بأي صفقة او اتفاق على ما يروج له البعض، بحسب مصادر عسكرية، والتي ادت حتى الساعة الى تسليم ثمانية انفسهم لمخابرات الجيش، ثلاثة في «المية ومية» لا علاقة لهم باحمد الاسير، واربعة من جماعة الاسير لجأوا الى المخيم بعيد احداث عبرا ابرزهم شقيق «فضل شاكر»، حيث تكشف المعلومات ان ما يجري اثار حفيظة كل من الثلاثي بلال بدر – هيثم الشعبي ـ اوسامة الشهابي، المبايع لـ«النصرة»، الذين هددوا باتخاذ «التدابير اللازمة بحق الخونة» مهددين من استمرار تلك العمليات تحت طائلة الاعتقال والقتل، متحججين بان ذلك يكشفهم امام الجيش، لما لدى من يسلمون انفسهم من معلومات امنية دقيقة وحساسة عن تموضع جماعاتهم في المخيم، وخصوصا في أحياء الطوارئ والمنشية وحطين وتعمير عين الحلوة، فضلا عن معرفتهم بآلية عمل تلك الجماعات وغالبية من ينتمون اليها، معتبرين ان في ذلك مؤامرة لضرب الوجود الاسلامي في المخيم، محذرين من خطوات تصعيدية .
مصادر فلسطينية مطلعة على ما يجري افادت انه منذ فترة بدأت تظهر علامات تململ لدى عناصر الاسير الفارين والمقدر عددهم بحوالى 25 بين «جند الشام» و«فتح الاسلام» و«الشباب المسلم»، بعدما لمسوا عملية ابتزاز مالية منظمة يتعرضون لها من قبل الشعبي وبدر مقابل تأمين الحماية لهم طوال السنوات الاربع الماضية، مشيرة الى ان الدائرة المحيطة بفضل شاكر داخل المخيم والتي تؤمن له الحماية، وهي برئاسة هيثم الشعبي حيث يقيم شاكر في تعمير عين الحلوة والطوارئ، تحاول منعه من تسليم نفسه لانها تتلقى منه المال والدعم، مهددة بقتله في حال قيامه بتلك الخطوة، كاشفة ان عددا لا بأس به من مجموعة «ال 25» بات في اماكن آمنة داخل المخيم تمهيدا لتسليم نفسه ،الامر الذي اثار جنون المجموعات الارهابية، التي بدت مظاهر التوتر بادية في المناطق التي تسيطر عليها، اما لانها تحضر وتستعد لعملية ما او لخوفها من استهدافها سواء من داخل المخيم او خارجه.
في هذا الاطار تكشف مصادر استخباراتية عن «امر عمليات» صادر عن غرفة عمليات مشتركة انشئت داخل المخيم تضم فصائل متطرفة، بعد اجتماع تنسيقي عقد ليل الاحد، اعتبرت بموجبها ان المخيم «يضم عشرات الاخوة المطلوبين للجيش الصليبي وحزب اللات، وقد لجأ اليه عدد كبير من الموحدين بعد معركة عبرا وطرابلس وعرسال، بوصفه الملجأ الاخير للموحدين في لبنان الذي يجب المحافظة عليه وعدم تسليمه للصليبيين بسياسة القضم والهضم، وضعت على اساسه خطة عسكرية لتفجير الوضع الامني مع محيط المخيم، بعدما ضاق الخناق المفروض على تلك الجماعات، شعبيا عبر التظاهرات ورفع اللافتات التي شهدها المخيم، وعبر الضغط الامني والعسكري الذي يمارسه كل من الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية المتحالفة داخل المخيم.
انطلقت تلك الجماعات، بحسب امر عملياتها من انه لو كان «خبر المعركة في مخيم عين الحلوة اشاعة، لا بد ان ندرس ونخطط ونجتهد ونرتب اوراقنا ونكون على استعداد، وأهم شيء ان ندرس خطط العدو ومواقعه»، محددة وفقا لخططها على «مراكز انتشار الجيش ودباباته ومدفعيته في تلة مغدوشة التي شاركت في معركة عبرا وقصفت التعمير عام 2013، ومدفعية حزب الله في جبل الحارة، التي استخدمت لقصف مسجد بلال في عبرا»، وخطوط امداد العدو من طريق صيدا الرئيسة الى الثكنات المحيطة بالمخيم، ولعل ابرز خطوط الامداد هي طريق بيروت صيدا، وبيروت الجنوب التي سيستخدمها حزب الله لامداد عناصره في صيدا، من هنا، يضيف امر العمليات ان الجهد الاساس يجب ان يتركز في قطع طريق الجنوب «ممر الروافض»، قناصات ترصد وتضرب او مجموعات صغيرة تضرب وتهرب، والتي ستكون بمثابة كقطع رقبة الحزب وورقة ضغط لا مثيل لها، اذ ستؤدي الى ارتباكه».
اما الخطوة الابرزبحسب «امر العمليات» فتكون بفرز مجموعات صغيرة خارج المخيم لضرب الجيش من الخلف او ضرب خطوط امداداته، «فاياكم ان تجعلوا المعركة في مناطقكم، اذ بالعكس تماماً يجب ترتيب مجموعات صغيرة وظيفتها ضرب الجيش خارج المخيم لإشغاله وارباكه، ولا بد من الانتشار بمناطق خارج المخيم»، «يجب الخروج من المخيم بإتجاه مركز المدينة بحيث تكون المعركة خارج ارضكم وهذا ما أخطأ به تكتيكياً الاخوة في الشمال».
كما تضمن «امر العمليات» تفاصيل وخرائط حول تنظيم «الصفوف والمجموعات وتنظيمها بجداول محددة» اذ «لا بد من توزيع الذخيرة بشكل مدروس في عدة نقاط، لا بد من فرز مجموعات خارج المخيم لقطع طرق الامداد واشغال الجيش الصليبي، لا بد من قطع طريق الجنوب للضغط على حزب اللات وحاضنته، لا بد من توفير وتأمين مركز اسعاف في كل منطقة ومحور لاسعاف الجرحى، لا بد من تجهيز الملاجئ وتأمين المؤن وتوزيعها ووضع اخوة وظيفتها ترتيب كل هذه الامور».
ووفقا لامر العمليات فان السيناريو المحتمل ان تواجهه تلك الجماعات، هو دخول الجيش الى منطقة التعمير بذريعة انها لبنانية واجبار الفصائل ودعوتها للضغط على المطلوبين للدخول الى المخيم، «وهنا يكون قد قضم جزء من الملجأ الاخير للموحدين في لبنان، وهذه في الحقيقة خطة حزب اللات والنظام في الغوطة، الاوهي تقسيم المناطق الى جيوب ومن ثم البدء بجيب واحد حتى يتم محاصرة كل المجاهدين، فمخيم عين الحلوة هو الملجأ الاخير لكل صادق دافع عن دينه وناصر اخوانه في الشام لذلك عمل الدولة الصليبية الان بدأ بوعود وإغراء للمطلوبين بتسليم انفسهم مقابل حل ملفاتهم،وهذه العملية تسهل عليه وتقلل من حجم خسائره».
واعتبر «المخطط»، ان النقطة الثانية، هي «استخدام المخذلين والمنافقين من الفصائل اللااسلامية للضغط على الاخوة للانسحاب بحجة الحفاظ على امن المخيم وهذا الكلام الفارغ، وقد يتم الافراج عن كل من سلم نفسه لاغراء الشباب اكثر فاكثر»، ناصحا «كل اخ صادق بالا يقبل ان يتلاعب به القادة المنافقون في عملية اُكلت يوم أُكل الثور الابيض، فيسلّمون مناطق للجيش بذريعة مصلحة المخيم وهذا الكلام الفارغ، لذلك حافظوا عليه وتكاتفوا واستعينوا بالله واصبروا، وتكاتفوا وجهزوا مجموعاتكم ونظموها، جهزوا الامور اللوجستية والمعدات العسكرية والطبية، جهزوا الملاجئ والمؤن، رتّبوا صفوفكم وتخلّصوا من اعين المخابرات، وإياكم ثم إياكم ان تعتمدوا على احد خارج منطقتكم فتقعوا بالفخ، وإلا فعلى الدنيا السلام».
مصدر عسكري مطلع افاد بان الجيش وضع حدودا لن يسمح بتجاوزها تحت اي ظرف كان، اولا، لن يسمح بتغيير المعادلة داخل المخيم من خلال سيطرة الاسلاميين عليه، لان ذلك سيعطيهم بقعة جغرافية لاقامة امارة، وهو امر محسوم لبنانيا، وثانيا السماح بانفلاش تلك المجموعات نحو الداخل اللبناني، عبر تعريض امن مدينة صيدا او طرق امداد القوات الدولية لاي خطر، معتبرا انه اذا ما كان هناك من يريد «نهر بارد» ثانيا فليتحمل المسؤولية في حال حاول اسقاط الخطوط الحمر التي وضعتها القيادة اللبنانية، مشيرا الى ان الاتصالات مع القيادة الفلسطينية الشرعية مستمرة وكذلك التنسيق، وان النقاش بين القيادتين يجري بصراحة وعمق، بعدما بلغت الامور منحى خطيرا لا يمكن السكوت عنه، مبديا استعداد الدولة اللبنانية باجهزتها المختلفة لتقديم كل المساعدات اللازمة لحماية «الضيوف الفلسطينيين» كما الشعب اللبناني، مقدرا الدعوات لدخول الجيش والتي تنم عن حس عال بالمسؤولية لدى فلسطينيي المخيم ،الذين يرفضون التحول الى رهائن لتحقيق اجندات ومشاريع وتصفية حسابات خارجية واقليمية مع اطراف لبنانية على ارض المخيم، كاشفا ان الامور مفتوحة على كل الاحتمالات التي ستتحدد وفقا لتطور الاوضاع .
في عين الحلوة الشائعات كثيرة بقدر المخاوف المتزايدة يوما بعد يوم من انفجار يطيح عاصمة الشتات الفلسطيني بعدما ضاقت المساحة المستقطعة من الاسلاميين بهم، بعددهم الذي يناهز الالف بكل فصائلهم والمنتشرين في الطوارئ – التعمير، حيّ حطين وحيّ المنشيّة، وحتى إلى نحو نصف مساحة المخيّم، عبر مُربّعات صغيرة وشبه مفصولة عن بعضها من ناحية السيطرة الأمنيّة، وعلى الجوامع. اما الاسئلة والاحتمالات فكثيرة، خاصة اذا ما ربطت الامور بالمشروع الاقليمي الكبير الممتد من باخرة سلاح من هنا، او «حلم شمالي» من هناك او حتى «امارة عرسالية».
ماذا سيكون موقف «حماس»؟ وهل تسكت باقي الجماعات ام تنجر الى المواجهة؟ هل يكسر «داعش» و«النصرة» حاجز الاقتتال بينهما ويتوحدان في معركة عين الحلوة؟ هل يعيد الثلاثي الشعبي – الشهابي – بدر حساباته وينكفئ الى داخل مربعه بعد انفلاشه الاخير؟ وهل ينجح 150 مقاتلا في قلب الموازين وفرض تجرع الكأس المرة على الجميع؟ وكيف سيرد الاهالي اصحاب الثمن الاكبر في حال الانفجار؟ هل تعود الامور الى مربعها الاول وتستمر قصة ابريق الزيت؟ ام تفلت الامور على غاربها؟
حقيقة واحدة واضحة عن مسعى تقوم به احدى الدول الاوروبية لدى جهة اقليمية فاعلة بهدف تحييد عين الحلوة ومنع الانفجار الحتمي، حفاظا على مصالحها في جنوب الليطاني وحماية لقواتها المنتشرة هناك، في مقابل اصرار عسكري لبناني واضح …. لا امارات على ارضنا ومخيم عين الحلوة ارضه لبنانية…. لبنانية…. لبنانية.