نجحت مكونات السلطة في إغراق النخبة الواعدة في لبنان بكمية هائلة من أفيون أوهام السلطة عبر عملية متقنة في توزيع المغانم والمناصب والأحلام على عدد كبير من المجموعات والأفراد والمؤسسات الجامعية العريقة التي كانت تحتكر صناعة التغيير والثورات، والتي تحوَّلت مع تكوين السلطة الجديدة نحو صناعة الأوهام والاستغراق في مستنقعات السلطة وأفيونها، ولا غرابة في أن تنجح مكونات السلطة في عملية الترويج الاستثنائية لأفيون السلطة على نخب توّاقة للتمتع بالسلطة وأوهامها رغم الظروف القاسية التي يعاني منها عموم اللبنانيين مع فقدان كل أسباب الأمان الاجتماعي والاقتصادي، ونجحت مكونات السلطة أيضا في الوصول بأفيونها الى العديد من النخب القابعة في الخفاء داخل الحدود وخارجها بانتظار دورها في التمتع بالسلطة على امل أن تأتيها جرعات افيون السلطة بانتظام لتحافظ على أحلامها في دخول نادي الرؤساء والوزراء والنواب من دون أي جهد أو عناء.
استطاعت مكونات السلطة في المنطقة أن تستمر وتستقر وتتوارث على مدى عقود طوال نتيجة احترافها ترويج أفيون السلطة على شعوبها، مما جعل عموم الناس في حالة غياب وشاكرين لمكونات السلطة تفضلها في تحمل أعباء التحديات الداخلية والخارجية والتاريخية عن الشعوب، وعندما يظهر عجز السلطة عن تأمين جرعات الأفيون المحلية والمستوردة، عندها تستفيق الشعوب وتدرك أكلاف خمولها وغيبوبتها مع تعاظم الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والأمنية والسياسية كما هو حاصل في لبنان الآن.
تخاف مكونات السلطات في منطقتنا من صحوة الشعوب من أفيونها وخمولها وادراكها مستوى عبث مكونات السلطة بمقدرات الدول والشعوب وهدرها المفرط للطاقات البشرية الواعدة والخلاقة، وحرمانها من تجديد الدول والمجتمعات ومنعهم من التعبير عن وجودهم وأحلامهم ودفعهم نحو اليأس والهجرة، أو الانتحار بالاستكانة والإدمان على أفيون السلطة الذي اصبح من الأعراف الوطنية القاتلة التي تجتاح كل دول المنطقة بدون استثناء، مما يجعل من الصحوات المجتمعية عبر التظاهر والاحتجاج صدمة قاسية لمكونات السلطة وتهديد لسكينتها واستبدادها والتي تبادر بكل رعونة وغباء الى استخدام القوة والقمع والاضطهاد والاعتقال والاغتيال.
اعتمدت مكونات السلطة في منطقتنا أساليب رفيعة في عملية تدجين المجتمعات وترويج الأفيون الذي يضمن بقائها في السلطة، واحتالت بمهارة على التكوين الوجداني للمجتمعات من حماية الأديان والطوائف والمذاهب الى قضايا الوحدة والحريّة والعدالة ومحاربة الاستعمار وبعضهم روّج لأفيون الاشتراكية، وشكلت نكبة فلسطين الموضوع الأهم للتحكم بالشعوب على قاعدة لا صوت يعلو على صوت المعركة والتوازن الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية والمقاومة الإسلامية، وان تحرير فلسطين يتقدم على الاستقرار والازدهار والديمقراطية وعلى التربية والتعليم وعلى الاستراتيجيات الإنمائية الضرورية والملحة وأهملنا الفنون والإبداع وأمسى الغناء (اصبح عندي الآن بندقية).
إنها مئة عام من الإدمان على الأفيون والتيه والضياع إلى أن جاءت صفعة القرن من الرئيس ترامب لتوقظ أوجاع مئة عام من اللاشيء، وصفعة القرن الكبرى هذه جعلتنا نتأمل في نكبات القرن القادم من العراق الى سوريا واليمن وليبيا ولبنان، والى ما ستخلفه استراتيجية الفوضى الخلاقة من ويلات لن ينجو منها أحد على امتداد الوطن العربي الكبير الغارق في الإدمان على أفيون السلطة.