لم تحجب فرحة عودة العسكريين المخطوفين، التفاؤل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. حتى في عز الانشغال الرسمي بإنجاز الصفقة، لم تهدأ خطوط التواصل. انتقل الوزير نهاد المشنوق إلى معراب، أمس الأول، وزار النائب سليمان فرنجية كليمنصو أمس، وكان العنوان في الحالتين البحث في كيفية الوصول إلى تسوية ترضي جميع الأطراف.
في هذا السياق، بدا واضحاً أن الفوضى التي حذر منها وليد جنبلاط منذ أيام، مستذكراً عبارة ريتشارد مورفي عن «مخايل الضاهر أو الفوضى»، تكرر التحذير منها أمس أيضاً، لكن هذه المرة على لسان فرنجية نفسه.
الأكيد أن زمن المناورة انتهى وصار تيار «المستقبل» يسعى بكل طاقته لإيصال «مرشحه» النائب سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، مستعيناً بحركة لافتة من السفيرين الأميركي والسعودي.
حتى اليوم لا شيء تغير. دستورياً، مرت الجلسة الـ32 لانتخاب الرئيس، كما مرت الجلسات التي سبقت. 39 نائباً وصلوا إلى مجلس النواب فقط. بعضهم اكتفى بتسجيل اسمه بين الحضور ثم المغادرة، قبل أن يعلن الأمين العام للمجلس تأجيلاً جديداً إلى 16 كانون الأول الحالي. كتلة «المرشح الأبرز» ظلت على مقاطعتها. وكذلك فعلت كتلة «المرشح الأقوى»، فيما حافظ «حزب الله» على ثبات موقفه المتضامن مع حلفائه. أما «كتلة القوات» فأعلنت على لسان النائب جورج عدوان رفضها أي تسوية «تتعلق بأشخاص»، مشيراً إلى أن «البحث في رئاسة الجمهورية بالنسبة لنا ينطلق من المشروع الذي على أساسه ترشح رئيس الحزب، أي كيفية التعاطي دستورياً بالقضايا في لبنان، والموقف من القرارات الدولية، بدءاً من المحكمة الدولية إلى القرار 1701، إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي، الى ما يجري في سوريا..».
صحيح أن مسألة الرئاسة انتقلت من الغياب إلى الحضور، لكن هذا الحضور لم يقترن بعد بنقاط قوة يمكن أن تحيله أمراً واقعاً، كأن تكون الجلسة المقبلة هي جلسة انتخاب الرئيس. فالمعارضة المسيحية لترشيح فرنجية ما تزال تعيق أي تقدم في الملف، متسلحة بقدرتها على فرض «الفيتو».
ليست المشكلة عند ميشال عون أو سمير جعجع فقط. حتى «الكتائب» يقف «بين البور والفلاحة»، فيما ظلت بكركي طيلة الفترة السابقة تتسلح بالصمت، بانتظار سيدها (عاد ليل أمس). وفيما يترقب السياسيون الموقف الذي سيصدر عن اجتماع مجلس المطارنة يوم الجمعة، فإن الإشارات الصادرة عن بكركي توحي أنها مصرة على رئيس يحوز على التغطية المسيحية، وإن كانت تعتبر أن وصول أي من الأقوياء الأربعة، هو أمر إيجابي من حيث المبدأ.
في مطلق الأحوال، فإنه يفترض أن يتحرك الملف بجدية أكثر مع عودة البطريرك بشارة الراعي، من دون استبعاد أن يدعو الأقطاب الموارنة إذا وجد أن ذلك قد يساهم في إيجاد مخرج ما.
مصادر مقربة من بكركي ما تزال تعتقد أن طريقة طرح اسم فرنجية تطرح أكثر من علامة استفهام.. ولا سيما منها ما يتعلق بإعلان تأييده من قبل مرجعيات إسلامية، من دون استشارة أو تنسيق مع المرجعيات المسيحية. أما الإشكالية الثانية فتتعلق بتغييب فرنجية نفسه الأقطاب المسيحيين عن مسألة ترشيحه. وهناك من يطرح عليه أكثر من سؤال في هذا السياق، لا سيما: لماذا لم يزر الرابية مباشرة بعد عودته من باريس لإطلاع العماد ميشال عون على مضمون اللقاء؟ ولماذا لم يرسل موفداً للقاء جعجع؟ ولماذا لم يبعث برسالة إلى البطريرك؟ ولماذا سارع إلى تلقف العرض الحريري ولم يستمهله إلى حين إبلاغ الأقطاب الموارنة؟
كل ذلك يرجع صداه في الرابية ومعراب. ويبدو جلياً بالنسبة لزوار عون أنه «لا يهضم ما يحصل»، وهو مصر على موقفه الرافض للأسلوب الذي اتبعه معه فرنجية. علماً أن الفتور بين الرجلين ليس مرتبطاً بمسألة الرئاسة فحسب إنما هو ممتد منذ أكثر من شهر، ربطاً بملفات عديدة لا سيما منها رفضه السير في ركب «التيار الوطني الحر» في مسألة الجلسة التشريعية.
بعد الأزمة الأخيرة، صار عون يعتبر أنه ضُرب من بيت أبيه. ولذلك ثمة استبعاد لأن يقبل بوصول فرنجية إلى سدة الرئاسة، من الطريق التي انطلق منها والتي لا تعطي وزناً له ولا لدوره، متسلحاً بالموقف الثابت لـ «حزب الله» الذي يؤكد أن «عون هو الممر الإلزامي لرئاسة الجمهورية».
لا يعطي المصدر المقرب من بكركي جواباً شافياً حول صحة ما قيل عن التزام الأقطاب الموارنة بدعم أي مرشح من بينهم يشعرون أن حظوظه أقوى. وهو يرى أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن يكونوا هم خارج القرار المتخذ بدعم أحدهم، أو أن يقتصر دورهم على البصم على قرار غيرهم.