لبنان الذي كان دائماً في مقدمة الدول العربية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني في ارضه ودولته، على الرغم من الايام السود التي طبعت العلاقات بين فريق كبير من الشعب اللبناني والمنظمات الفلسطينية المسلحة وادت الى حرب استمرت 15 سنة، هذا اللبنان عاد الى دوره الطليعي في الوقوف مجدداً الى جانب الشعب الفلسطيني، ضد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب، اعتراف بلاده بمدينة القدس عاصمة للكيان اليهودي، وتأكيد حق الفلسطينيين بالقدس عاصمة ابدية لدولتهم، التي يناضلون منذ 70 سنة لتحقيقها، بالاستشهاد احياناً وبالمفاوضات احياناً اخرى.
الاجماع اللبناني الذي ظهر في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، او في القمة الاسلامية في اسطنبول، والمواقف الجريئة المتقدمة التي اعلن عنها في المناسبتين، والتي رافقها مواقف جميع الكتل النيابية في جلسة استثنائية لمجلس النواب، وفي جلسة لمجلس الوزراء امس، وفي اجتماع روحي لجميع رؤساء الطوائف والمذاهب المسيحية والاسلامية، هذا الاجماع الذي لم يحدث مثله في اي دولة عربية، ناهيك عن التحركات الشعبية، يثبت تمسك الشعب اللبناني بمبادئ العدالة والحق والحرية، ويثبت ايضاً، ان اتهام فريق من اللبنانيين، بالعمالة لاسرائيل، وبالعنصرية، والشوفينية والانعزال، هو اتهام ظالم وغير صحيح واستخدم طويلاً لاهداف وغايات ليست ابداً وطنية.
على اي حال، هذا الموقف غير المستغرب للشعب اللبناني، يجب الا يمر مرور الكرام، بل يجب البناء عليه وتفعيله لخلق حالة من السلام والوفاق والتعاون بين المكونات الطائفية وبذورها موجودة، والاهم منها خلق هذه الحالة بين الاحزاب والتيارات السياسية، على خلفية فتح صفحة جديدة بين اللبنانيين قائمة على الاحترام والاعتراف بالاخر، والاهم تصفية النيات والتساعد لايجاد دولة ترعى المواطن وحقوقه، وتعمّق شعور الانتماء الى الوطن والدولة.
****
هذه المهمة مسؤولية رئىس الجمهورية العماد ميشال عون لأنه الوحيد خصوصا في هذه الظروف، القادر على تقريب المسافات بين المتباعدين على قاعدة طرح الخلافات التي تولّد الصدامات والعدائىة وتفكيكها والحوار حولها بنيّة التوصل الى حلول لها، خصوصا انه يحظى تقريبا بثقة غالبية رؤساء الاحزاب والتيارات والشخصيات ذات الشأن وقد سبق للبطريرك الماروني بشارة الراعي واشار منذ يومين الى ضرورة فتح باب البحث بالاستراتيجية الدفاعية الوطنية والرئيس عون يعلم وكذلك جميع القيادات السياسية ان التوصل الى استراتيجية دفاعية وطنية اصبح ممكنا في هذا العهد، بسبب العلاقة التحالفية بين عون وحزب الله، من جهة، وبينه وبين رئىس الحكومة سعد الحريري من تقارب يصل الى حدّ التحالف، معطوف على تفاهم مع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي يؤكد في كل مناسبة على هذا التحالف وحمايته، وبطبيعة الحال لن يكون الرئيس نبيه برّي والنائبان وليد جنبلاط وسليمان فرنجية بعيدين، او معارضين لهذه الخطوة.
اذا كان هناك نية لحماية لبنان من التفكك فالظرف الان اكثر من مؤات اما اذا كان المهم تقطيع الوقت في جو من التوتر والنكايات والصدامات فإن مبلغ 80 مليار دين على لبنان كاف لوحده بانهيار الدولة والجمهورية.