ليس مستغرباً ما تشهده بعض المناطق، ولا سيما طرابلس وصيدا من احتجاجات شعبية على استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وسط ارتفاع جنوني لسعر صرف الدولار الأميركي في السوق المالية، حيث يطالب المحتجون بتخفيف الإجراءات المتصلة بـ«التعبئة العامة»، ليتمكنوا من مواجهة أعباء الأزمة الخانقة التي ترهق كاهلهم، على أبواب شهر رمضان المبارك، على وقع تساؤلات كثيرة عن أسباب عجز الحكومة عن القيام بدورها، للجم هذا الارتفاع غير المسبوق للدولار، فيما لم تنفع كل محاولات مصرف لبنان للحد من ارتفاعه. في ظل توقعات بأن يستمر سعر الدولار بالتصاعد أكثر فأكثر في حال لم تتخذ إجراءات حاسمة لوقفه عند حدود معينة، لأن بقاء الأمور دون معالجة سيقود حتماً إلى الانفجار الذي لم يعد موعده بعيداً.
وفيما لم تتضح بعد طبيعة الإجراءات التي قد تتخذها الحكومة، للتخفيف من التدابير المتبعة لمواجهة جائحة «كورونا»، إلا أنه يظهر بوضوح أن الشعب ما عاد قادراً على تحمل تداعيات الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يضرب البلد، والذي فاقمت التدابير الأخيرة من حدة الخسائر الناجمة عنه، من دون أن تتمكن حكومة الرئيس حسان دياب من اتخاذ ما يلزم من خطوات لوقف الانزلاق نحو الهاوية، في وقت تستمر إجراءات المصارف في التضييق على المواطنين، من دون أن يبادر مصرف لبنان إلى القيام بالدور المطلوب منه، لدفع المصارف إلى الحد من هذه الإجراءات التعسفية التي زادت من معاناة الناس منذ تشرين الأول الماضي.
وتوازياً مع التحضيرات الشعبية المناهضة للحكومة، فإن المواقف والتحركات السياسية للقوى المعارضة، بعد التصريحات النارية لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ضد العهد والحكومة، تشير بوضوح إلى أن الأمور ذاهبة باتجاه مزيد من التصعيد بين القوى المعارضة والسلطة، برزت مؤشراته من خلال حملة رئيس «التقدمي» الشرسة ضد رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب، في وقت تنشط الاتصالات بين جنبلاط ورئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، كما في حركة الموفدين بين رئيس «الاشتراكي» ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. في وقت كشفت لـ«اللواء» مصادر نيابية في «اللقاء الديمقراطي»، أن الاتصالات تجري بين أقطاب المعارضة بهدف بلورة تصور مشترك في المرحلة المقبلة، سعياً لإنشاء جبهة معارضة سياسية للعهد الذي يتحمل مسؤولية الكارثة التي حلت بالبلد، مشددة على أن الوضع ذاهب لمزيد من التعقيد والتصعيد، وكاشفة في الوقت نفسه أن الشارع سيستعيد زخمه، بعد مرور عاصفة «كورونا»، لأن اللبنانيين فقدوا الأمل بهذه الطبقة الحاكمة التي تتحمل كل المسؤولية عما وصلت إليه الأوضاع في البلد.
وكشفت المعلومات أن الأيام المقبلة، وبعد تخفيف التخفيف من تدابير الحماية من «كورونا»، ستشهد تزخيماً في حركة الاتصالات التي سيكون محورها النائب السابق جنبلاط، والتي ستشمل كلاً من الحريري وجعجع ونواباً، وعدداً من القوى السياسية المعارضة، إضافة إلى قيادات حزبية، في وقت طرحت تحركات السفيرة الاميركية دوروثي شيا على جنبلاط وجعجع، تساؤلات في الأوساط السياسية عن توقيتها في عز أزمة «كورونا»، وما إذا كانت واشنطن تبارك تحركات الفريق المعارض؟ وإن استبعدت مصادر المعارضة، كما قالت لـ«اللواء»، أن تكون تحركات شيا تصب في هذا السياق، ووصفتها بأنها زيارات بروتوكولية للمسؤولين اللبنانيين.
وقد دعت المصادر إلى عدم المراهنة على الموقف الأميركي في تقديم أي دعم للقوى السيادية المعارضة، بعدما ثبت من خلال الممارسة أن الأميركيين ما كانوا يوماً جديين في دعمهم للمعارضة اللبنانية، باستثناء مواقف كلامية لا تقدم ولا تؤخر، وقد خبرها اللبنانيون جيداً في السنوات الماضية، مشددة على ان انتفاضة الشعب اللبناني ستستعيد وهجها في المرحلة المقبلة، بعدما ثبت أن السلطة الحاكمة عاجزة عن القيام بما هو مطلوب منها، لناحية إصلاح الأوضاع الاقتصادية، في ظل تخبط واضح في إقرار الخطة المطلوبة لوقف الانهيار المالي الذي يتهدد البلد بشكل جدي.