على غرار الانتخابات البلدية الأخيرة، سيخوض «المجتمع المدني» ومعارضو الأحزاب المشاركة في الحكومة، الانتخابات النيابية في بيروت، أيّاً كان شكل القانون. الاجتماعات كثيرة، واللائحة تُطبخ بتأنٍّ. أما التحدّي، ففي استقطاب الناخبين الذين يمتنعون عن الاقتراع في كل مرة، لاقتناعهم بعدم قدرتهم على التغيير
سواء أجريت الانتخابات وفق قانون الستين أو وفق أي قانون آخر، حسم «ناشطون» من «المجتمع المدني» في بيروت، ومعارضون للقوى المشاركة في الحكومة، خيارهم بتشكيل لائحة على غرار تجربة «بيروت مدينتي» في الانتخابات البلدية الأخيرة. وينطلقون في مقاربتهم من نسبة الاقتراع الكثيفة التي نالتها «اللائحة المدنية»، وغالبية الأصوات بحسب الدراسات، أفراد ينتخبون للمرة الأولى في حياتهم، وهؤلاء جمهور مختلف عن الجمهور الذي تتقاسمه الأحزاب عند كل استحقاق.
هنا تكمن أهمية وجود لائحة مماثلة لحثّ هذه الفئة من الناخبين على الاقتراع، خصوصاً بعد أن ثبت في الانتخابات البلدية أن التغيير ممكن إذا ما آثر البيروتيون ممارسة حقهم الديموقراطي، وإذا ما توافرت لديهم إرادة التغيير. وتقول إحدى الدراسات في هذا السياق إنه تكفي زيادة نسبة الاقتراع نحو 6% عن عام 2009 حتى يصبح الخرق ممكناً.
ما سبق يقود إلى القول إن بيروت، ودائرة بيروت الأولى تحديداً، لن تكون ميداناً سهلاً لتحالف الأحزاب، وما تعيين ثلاثة وزراء (غسان حاصباني عن القوات، نقولا تويني عن التيار الوطني الحر وميشال فرعون كمقرب من القوات والتيار) في الحكومة الحالية من هذه الدائرة إلا دليل واضح على رغبة الأحزاب في تقوية حضورها هناك. فالمال السياسي شبه معدوم هذه المرة، ولا قدرة فعلية للأحزاب على استقدام الناخبين من الخارج كما كل مرة. لذلك، الفرصة متاحة للمجتمع المدني لإثبات قوته عبر ناخبيه. يساعده في ذلك غياب المعركة السياسية بين الأحزاب، وبالتالي غياب الحماسة لدى جزء من الناخبين الحزبيين الذين كان يحرّكهم الاشتباك السياسي.
نحاس حسم قراره بالمواجهة، وينتظر تحديد القانون الانتخابي لتحديد هوية المرشحين
«المعارضة» التقطت هذه الإشارات، وبدأت اجتماعاتها التنسيقية للتشاور في الطريقة الأمثل لخوض الانتخابات «في وجه تحالف السلطة». وهي تضم أفراداً من «بيروت مدينتي»، الوزير السابق شربل نحاس، الحزب الشيوعي، القيادي السابق في التيار الوطني الحر زياد عبس، قواتيين كانوا من أصدقاء بشير الجميّل المقربين، ولكنهم على خلاف مع رئيس حزب القوات سمير جعجع ومجموعات أخرى. ويدور الحديث في هذا السياق عن مجموعة مرشحين أبرزهم مارك جعارة (ماروني، عضو في «بيروت مدينتي»)، ندى صحناوي (كاثوليكية، عضو في «بيروت مدينتي»)، نايلة جعجع (شيعية، عضو في «بيروت مدينتي»)، زياد عبس (أرثوذكسي مستقل)، فيما ينتظر شربل نحاس تحديد القانون الانتخابي لحسم قراره في ما يخص من يترشح وبأي طريقة، مؤكداً في المقابل أن موقف «مواطنين ومواطنات في دولة» محسوم في المواجهة. وبحسب مصادر المعارضين، فإن احتمال الخرق في القانون المختلط نحو 30%، نظراً إلى أن المقاعد التي يُحتمل أن توضع على القانون النسبي ستكون الآتية: 1 سنّة، 2 شيعة، 1 دروز، 1 أرمن أرثوذكس، 1 أرمن كاثوليك، 1 روم أرثوذكس، 1 إنجيلي، 1 أقليات. وفعلياً سينكبّ تيار المستقبل على إنجاح مرشحه وكل من حركة أمل وحزب الله على إنجاح مرشحيهما، فيما سيركز حزب الطاشناق كل قوته الناخبة على مقعد الأرمن الأرثوذكس. وتتحدث المصادر عن قدرة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التجييرية التي لا يمكنها إنجاح أكثر من مرشح واحد، علماً أن التيار سيضع نصب عينيه المقعد الإنجيلي لمرشحه القسيس إدغار طرابلسي، الأمر الذي يبقي المقعد الدرزي (في حال عدم نقله إلى دائرة أخرى) ومقعد الأرمن الكاثوليك والروم الأرثوذكس والسريان خارج دائرة نفوذ الأحزاب وضمن دائرة أمل المعارضين. علماً أن عضوين سنّيين من «بيروت مدينتي» سيترشحان، لكنها لا يحبذان الكشف عن اسميهما مبكراً.
أما إذا أُبقي على القانون الأكثري، فيختلف الوضع تماماً، إذ ستكون الدائرة الثالثة محسومة النتائج سلفاً ويتوقف مصير الدائرة الثانية على شكل التحالفات؛ فإذا تحالف كل من تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والطاشناق سوية تحسم المعركة باكراً، وإذا حصلت مواجهة، يكون احتمال الخرق وارداً. لتبقى الدائرة الأولى ساحة لمعركة مفترضة «بين السلطة والمعارضة»، خصوصاً أن الأحزاب لا تزال على خلاف حول مرشحيها. ومن خارج مكوّنات مجلس الوزراء، تشير مصادر الكتائب إلى أنها لم تحسم خيارها حتى الساعة بشأن التحالفات، رغم أن مرشحها محسوم: النائب نديم الجميّل. ويؤكد ناشطون من «المجتمع المدني» أن الجميّل يحضر بعضاً من اجتماعاتهم.
يفترض بتجربة «بيروت مدينتي» البلدية أن تكون مرجعاً أساسياً لتحديد خريطة الطريق الانتخابية، فهناك من يرى أن على لائحة «المجتمع المدني» أن تخرج من الإطار الافتراضي للعمل على أرض الواقع. ففعلياً، تمكنت هذه المجموعة من استقطاب أصوات الطبقة المتوسطة و»المرتاحة مادياً» في ثلاثة أشهر فقط، وهو ما يُعَدّ نجاحاً استثنائياً، لكنها فشلت في دخول الأحياء الشعبية التي لا تكترث بوسائل التواصل الافتراضية، ويتطلب جذبها تواصلاً يومياً معها. وذلك يحتّم على المجتمع المدني التعلّم من الأخطاء السابقة لتغيير نهج العمل والحرص على تطعيم اللائحة بمرشحين مؤهلين لسدّ هذه الثغرة.
جبّور يتحدّى فرعون فيها
يكثّف رئيس مجلس إدارة «سوسييتيه جنرال» أنطون الصحناوي من نشاطه عبر افتتاح المزيد من المكاتب الخدماتية، ولو أن ترجمتها على الأرض لم تتضح بعد. إلا أن مدير مكتب صحناوي ميشال جبور، يؤكد لـ»الأخبار» خوض المعركة بلائحة مهما كان شكل القانون. ويشير في هذا السياق إلى أن «أبناء الأشرفية لا يمكن تسييرهم بالمنطق الذي تطرح بها الثنائية المسيحية نفسها»، متحدثاً بثقة مفرطة: «رح نطحنن». ويتوجه جبور إلى فرعون، متهماً إياه بنشر استطلاع للرأي ينصّبه أول في الدائرة بتأييد 60% من الناخبين ويضع القوات والتيار في المرتبة الثانية بنسبة 30%، وأنطون صحناوي في المرتبة الثالثة بنسبة 2%، بالقول: «سنثبت لفرعون ماذا تمثل الـ 2% في الأشرفية، وسنتكفل بالتوضيح له عن مهمة وزارته، ما دام صرّح بأنه لا يعرف شيئاً عن الوزارة التي تسلّمها، وعن مسؤولياتها». وينصح جبور فرعون بألا يتنكّر لماضيه ولمن أتى به في عام 2009 ودعمه مادياً في إشارة إلى تبني الصحناوي لحملة فرعون السابقة. وإشارة هنا إلى أن صحناوي كان قد امتنع عن خوض الانتخابات البلدية السابقة، ولا سيما بعد إقصائه عن المفاوضات المشتركة بين فرعون وكل من التيار والقوات، وعمد إلى إبقاء بعض الناخبين في منازلهم ليؤْثِر لاحقاً استقطاب مختارين اثنين من مكتب فرعون لمصلحته. أما عن هوية المرشحين على اللائحة المفترضة، فيكتفي جبور بتأكيد ترشحه عن المقعد الماروني، مفضلاً إبقاء المرشحين الآخرين مفاجأة. علماً أن الرئيس السابق لجهاز أمن المطار بالوكالة جان ترزيان، هو أحد المقربين من صحناوي، وافتتح أخيراً مكتباً له في الأشرفية، حيث يستقبل الأهالي ويدور الحديث عن نية ترشيحه عن مقعد الأرمن الكاثوليك.