IMLebanon

قتال المعارضة «داعش» – تصعيد النظام

تعددت الأسباب التي يمكن أن تفسر الاهتزاز الكبير لاتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية بين موسكو وواشنطن في 22 شباط (فبراير) الماضي. وهو اهتزاز يهدد استئناف مفاوضات جنيف المقررة الاربعاء المقبل لأن الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة تدرس إمكان مقاطعة جنيف إذا لم يوقف النظام وحلفاؤه الإيرانيون والميليشيات التابعة لهم تصعيدهم العسكري في حلب وإذا لم ينفذ ما وعد به الأميركيون والروس بأن المساعدات الإنسانية ستصل إلى المناطق المحاصرة، لأنه لم ينفذ من هذا الوعد سوى النزر اليسير.

لكن لا بد من تسجيل بعض هذه الأسباب، وهي تتراوح بين المهم والأهم.

والأرجح أنه ساء النظام أن تقاتل فصائل معارضة مثل «أحرار الشام» و»ثوار سورية» و»الأجناد» و»الجيش السوري الحر» تنظيم «داعش» في المناطق الشمالية القريبة من الحدود التركية، وفي بعض المناطق الجنوبية في محافظة درعا منذ أسبوعين. أفسد طرد هؤلاء مسلحي «داعش» من بعض المواقع على النظام وحلفائه دعايته أنه يقاتل الإرهاب وأنه المؤهل لقتال «داعش» لتبرير بقاء بشار الأسد في السلطة. وأفسد هؤلاء على الأسد كل الدعاية التي روجها بأنه حرّر تدمر من التنظيم المتوحش. ليست صدفة أن تندفع قوات النظام إلى التصعيد وخرق اتفاق وقف الأعمال القتالية لتجدد هجومها على حلب وريفها. ففي كل مرة يشتد الصراع بين المعارضة المعتدلة وبين «داعش» يصعّد النظام السوري عملياته ضد الأولى، مستغلاً انشغالها بالسيطرة على المزيد من الأرض على حساب التنظيمات الإرهابية لينقض عليها كما حصل قبل أيام في ريف حلب.

أمر آخر ساء النظام أيضاً هو عودة التظاهرات السلمية التي استفاد السوريون من الهدوء الذي فرضته الهدنة، على هشاشتها، من أجل معاودتها في مقابل إعلانه الانتخابات التشريعية التي سيجريها الأسبوع المقبل. فهو يريد إبقاء السوريين في الملاجئ، بدلاً من أن يواصلوا بإصرار قلّ نظيره عند شعب تعرض للمآسي نتيجة إجرام النظام، المطالبة برحيل الأسد. وهي تظاهرات شملت أيضاً بشجاعة نادرة تلك الاحتجاجات المستمرة في الشارع ضد تحكم المجموعات المتطرفة برقابهم وحياتهم اليومية في مناطق معارضة للنظام وللإرهاب على السواء، كما حصل في الأيام الماضية في معرة النعمان في إدلب في مواجهة «جبهة النصرة»…

ولم يكن صدفة أن طهران قررت بعد أيام قليلة من الاتفاق الأميركي الروسي على الهدنة، إرسال المزيد من القوات إلى سورية. فهي أعلنت ذلك في نهاية شباط، لأنها شعرت بأن اتفاق الدولتين العظميين سيسحب من تحت أقدامها الدور الذي تعول عليه في سورية، ما سيضعف موقعها في التفاوض الإقليمي إذا أضيفت إلى ذلك التحضيرات لترجيح الحل السياسي في اليمن، على أساس القرار الدولي 2216 من خلال مفاوضات الكويت في 18 الجاري. وخسارتها القدرة على المبادرة في اليمن بعد النجاح السعودي في إفقاد الانقلاب عبر الحوثيين وعلي عبد الله صالح وظيفته، يصبح أشد فداحة على تمددها الإقليمي إذا أخذت المياه تجري من تحت أقدامها في بلاد الشام. ولم يكن الإعلان عن إرسال القوات الخاصة للجيش الإيراني إلى سورية الاثنين الماضي، سوى تصريح بوصول هذه القوات، إذ بات عديدها بعشرات الآلاف. المزيد من الانغماس الإيراني في الحرب السورية يحقق للأسد ومحيطه المعادلة التي طرحت بعد أن وظفت موسكو قرارها بالانسحاب الجزئي، في الضغط عليه كي يقدم التنازلات في مفاوضات جنيف التي كانت انطلقت في 11 آذار (مارس) الماضي فلم يفعل. هذه المعادلة تقول: إذا انسحب الروس، الإيرانيون هنا.

وتحت سقف التمايز بين موسكو وطهران حول دفع التفاوض إلى الأمام، لا تمانع القيادة الروسية أن يعزز الجانب الإيراني وجوده العسكري في إطار التصعيد الميداني الحاصل، فتبعث برسالة إلى الإدارة الأميركية بأنها قادرة عبر تصاعد التدخل الإيراني، على الارتداد على الاتفاق بين الدولتين العظميين. فموسكو لم تلمس من واشنطن ما يقابل تعاونهما المفترض في سورية، بإيجابية مماثلة في ميادين أخرى، ولا سيما رفع العقوبات المتصلة بالأزمة الأوكرانية عنها بل شهدت إصراراً أميركياً عليها.

تحت سقف التفاوض لا تعد موسكو بشيء في شأن مصير الأسد، ويصبح الخلاف عليه عنواناً يخفي صراعاً على قضايا أهم منه، على رغم قبول واشنطن أن يشارك في انتخابات رئاسية مبكرة، بحجة أنه «سيخسرها»… وتُسقط المعارضة «سوخوي» سورية، بصاروخ يتطلب إطلاقه إذناً دولياً، في رسالة مقابلة للتصعيد، ويجري تدريب المزيد من المعارضين من قبل الأميركيين والغرب… وتحول الخلافات العربية دون أي رؤية فعالة لسورية، والضحية السوريون مجدداً. فمقابل كل جولة تفاوض جولات قتال…