العهد يـنام على حريـر الخـطـوط الحمر التي تحمـي الرئـيـس ودعم حزب الله
فشلت محاولات تشكيل جبهة معارضة موسعة ضد العهد قبل ان تبدأ المساعي الجدية لها، فما هي الاسباب التي حالت وتحول دون تحقيق هذا الهدف؟ ولماذا ينام الرئيس عون على حرير الاطمئنان الى وضعه في هذه المواجهة؟
لا شك ان الازمات المتلاحقة التي عصفت وتعصف بالبلاد اخذت كثيرا من رصيد العهد، وحولت مقولة الرئيس القوي الى مجرد شعار فارغ من مضمونه ولا يحمل اية عناصر من عناصر القوة للعهد والحكم.
لكن بقاءه مضمون لحسابات واعتبارات عديدة، منها ما يتعلق بالاسباب الدستورية والسياسية والطائفية ومنها ما يتصل بضعف المعارضة والخلافات التي تتحكم بالعلاقات بين اطرافها.
ومع ان العهد مطمئن الى وضعه واستمراريته الّا ان انزلاق البلد في هذا الانهيار الكبير الذي نعيشه جميعا وغياب المعالجات والحلول، واستمرار الحصار المفروض على لبنان، يجعله في وضع لا يحسد عليه وفي مسيرة انحدارية بحيث ان الرهان على نجاحه في تحقيق اية انجازات في الفترة الباقية من عمره بات شبه مستحيل ان لم يكن مستحيلا.
لذلك ترى الاوساط المراقبة ان اطمئنان العهد الى وضعه لا يجب ان يعميه عن الحقيقة، ويجعله يذهب في التصلب والتشدد تجاه خصومه الى حد التفريط بكل اشكال الحلول والتسويات.
لكن في المقابل تبدو المعارضة الساسية للعهد مشتتة وغير قادرة على استلام زمام المبادرة لاسباب عديدة، منها ما هو مرتبط بتراجع نفوذها وقوة اطرافها بعد انتفاضة 17 تشرين، ومنها ما يتصل بالعلاقات المتوترة في ما بين اطرافها المفترضين منذ انفراط عقد فريق 14 آذار.
وتعترف اوساط هذه الاطراف المفترضة بان المساعي التي بذلت في الآونة الاخيرة لانشاء جبهة معارضة للعهد واجهت صعوبات كبيرة من اللحظة الاولى، كما عبر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في حديثه مؤخرا، لكنها في الوقت نفسه ترى ان العهد لم يعد قادرا على الاستمرار في تجاهل الانهيار الحاصل وتجاوز الواقع الصعب الذي وصل اليه وانه بات في عجز تام ولا بد من تغييره.لكنها تدرك صعوبة هذه المهمة وتختلف في ما بينها حول الاسلوب والطريقة لتحقيق هذا الهدف.
وفي قراءة عامة لوضع ومواقف هذه الاطراف ترى اوساط مراقبة ان هناك ازمة علاقات قوية بين اركانها. فالعلاقة بين الرئيس الحريري والدكتور جعجع ما زالت متوترة ومقطوعة رغم بعض المحاولات التوفيقية التي جرت لاصلاح ذات البين بين الرجلين منذ ازمة احتجاز الحريري في السعودية والتداعيات التي تلتها مرورا بالخلافات بينهما في عهد حكومة الحريري السابقة وانتهاء بامتناع ومعارضة القوات تسميته لتشكيل الحكومة الجديدة ووقوفها في صفوف المعارضة.
وتعتقد الاوساط وفقا لمصادر الطرفين ان هناك ازمة ثقة كبيرة بينهما تتجاوز مسألة تسمية رئيس الحكومة الى الخلافات في الخيارات السياسية. فالقوات ترفع شعار الانتخابات النيابية المبكرة كمعبر اساسي لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة تتطيح بالرئيس عون وبتياره، بينما يرى المستقبل ان هذا الطرح هو مجرد شعار غير قابل للتطبيق في ظل المعطيات القائمة، وبالتالي هو ضرب من ضروب الهروب الى الامام بدلا من اعتماد خيار موضوعي يأخذ بعين الاعتبار اولا الحاجة الى خطوة انقاذية سريعة تتمثل بتأليف حكومة انقاذية على اساس المبادرة الفرنسية تحاكي تطلعات الشعب اللبناني وتملك ثقة المجتمع الدولي لتحقيق الاصلاحات المنشودة وكسب الدعم المالي والاقتصادي المطلوبين.
وتركز اوساط المستقبل في هذا المجال على توسيع وتصليب الموقف في وجه تعنت العهد ومماطلته، مشددة على ان البلد بحاجة لجهود اوسع شريحة سياسية وشعبية بدلا من اللجوء الى جبهة سياسية تزيد الانقسام ولا تؤدي الغرض المطلوب، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي افرزته انتفاضة 17 تشرين رغم العثرات والاخطاء التي ارتكبت.
اما القوات اللبنانية فترى انه بعد 17 تشرين والتطورات التي سجلت في الشهور الاخيرة بات من الضروري الانتقال الى خطوات عملية تجميع القوى المعارضة للعهد وتأطيرها في جبهة معارضة مبنية على اساس برنامج واضح يعتمد على اجراء انتخابات نيابية مبكرة كمفتاح للتخلص من العهد.
وتعتقد القوات على لسان رئيسها جعجع انه في حال استقال الرئيس عون او انتهت فترة ولايته بشكل من الاشكال فان البرلمان الحالي هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية وبالتالي فان الاكثرية النيابية الحالية هي التي ستتحكم بالمجيء بالرئيس الجديد ولذلك فان الانتخابات الرئاسية في ظل الواقع النيابي الراهن عديمة الجدوى، وان الطريقة الوحيدة لاحداث التغيير هي اجراء انتخابات نيابية مبكرة تحدث خرقا كبيرا قادرا على انجاح اكثرية نيابية جديدة.
اما المستقبل فيرى ان فكرة انتخابات مبكرة غير عملية او قابلة للتطبيق لاعتبارات كثيرة، وان الافضل هو التشديد على تشكيل حكومة انقاذية فورا تملك المواصفات المطلوبة للانقاذ وتنسجم مع المبادرة الفرنسية وتضمن الثقة النيابية والشعبية والسياسية والدعم الدولي.
ويعتقد المستقبل انه كلما جرى تعزيز هذا الموقف وتأمين المزيد من الدعم السياسي والشعبي له كلما استطعنا ان نزيد الضغط على العهد وتياره لكي نحقق الهدف المنشود، وان المعركة التي يخوضها الحريري هي معركة كل اللبنانيين وليست معركة طرف ضد آخر او جبهة ضد جبهة.
ويتمايز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في موقفه عن مواقف القوات والحريري فهو يندفع اليوم بقوة اكثر في حملته العنيفة ضد العهد مركزا على اهمية تضييق الخناق عليه ومحاولة اضعافه وعزله قدر المستطاع ولا يوفر في انتقاداته حزب الله الذي يحمله مسؤولية الشراكة مع العهد وتصلب مواقفه.
لكنه في الوقت نفسه يأخذ بعين الاعتبار وجود قوى سياسية وشعبية لا تجاري او تؤيد فكرة تشكيل جبهة سياسية في وجه العهد، لذلك لم يتحمس لفكرة انشاء مثل هذه الجبهة او اعادة انتاج فريق 14 آذار. كما ان غير متحمس بالاصل الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة لاعتبارات عديدة منها ان مثل هذه الانتخابات غير ممكنة او مضمونه النتائج عدا عن انها لا توفر الحل الانقاذي السريع الذي نحن باشد الحاجة له.
ورغم دعوته الحريري إلى الاعتذار تارة او الاعتكاف تارة اخرى فان جنبلاط يدرك قبل غيره اننا ندور في حلقة مفرغة في ظل الواقع السياسي والتوازنات السياسية والطائفية القائمة، مفضلا تعزيز الضغوط على العهد ومقارعته والرهان على فتح ثغرة جدية لاضعافه واسقاط شروطه للمجيء بحكومة انقاذية حقيقية خارج اطار هيمنة عون وصهره.
اما العهد فان مصدر اطمئنانه لوضعه،حسب الاوساط المراقبة، فهو بالدرجة الاولى قناعته بضعف وتشتت المعارضة واستحالة اقالة او استقالة رئيس الجمهورية للاعتبارات الدستورية والنيابية والطائفية، والى اعتماده على دعم حزب الله القوي.