تراجع عنوان المطالبة بتغيير حكومة الرئيس حسان دياب «التكنوقراط»، والذي كان عاد إلى الأضواء بقوة بعد مرور فترة السماح التي حدّدها رئيس الحكومة له ولفريقه الوزاري، وذلك على الرغم من أن قوى سياسية فاعلة ومشاركة بالحكومة، كانت في مقدّمة المطالبين بإحداث مثل هذا التغيير، حيث كشفت أوساط نيابية معارضة في كتلة بارزة، أن هذا العنوان لم يأتِ من فراغ، ولا يقتصر فقط على المعارضين، بل على العكس، فإن المعادلة الحكومية لم تعد تحظى برضى كافة مكوّناتها، بصرف النظر عن الخطوات التي حقّقتها، أو عن فشلها في فتح كوّة في جدار الإنهيار المالي. إنما، وبعد استقرار المشهد الداخلي وهدوء الشارع، فإن المراجعة الحكومية تشكّل محطة لا بد منها، وفق الأوساط النيابية البارزة، والتي لم تجد في عملية التعديل الوزاري أية نتائج إيجابية، لأن الدخول في آليات التغيير وإنتاج تسويات جديدة بين القوى السياسية كافة، لن يكون سوى مضيعة للوقت ومن أولى نتائجه زعزعة صورة الحكومة أمام صندوق النقد الدولي ومجموعة الدول المانحة، وبالتالي، المزيد من التأخير في تنفيذ خطة التعافي التي يجري التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي.
وانطلاقاً من هذه القراءة، كشفت الأوساط ذاتها، عن أن عملية ترميم للتضامن الحكومي تجري في الكواليس السياسية، بعدما تبيّن للمرجعيات أن طرح فكرة العودة إلى حكومة الوحدة الوطنية، هي ضرورية بعد ما شهدته الساحة الداخلية من اختبارات قاسية لمتانة السلم الأهلي، خصوصاً وأن الوزراء «التكنوقراط»، كانوا في موقع المتفرّج على الإشتباكات بين شارعين منقسمين، الأمر الذي دفع بالمرجعيات الدينية إلى التدخّل من أجل لجم التدهور في الشارع، والذي كان ينذر بفتنة عمياء تفرض إيقاعها الخاص على كل الأطراف الداخلية، وعلى الحكومة بشكل خاص.
ومن ضمن هذا السياق، تتوالى علامات الإستفهام حول المناخ الحقيقي داخل الحكومة في ضوء تنامي الإنتقادات من قبل مشاركين فيها لبعض الخطوات الحكومية في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بالنسبة لملف التعيينات في قطاع الإتصالات.
ومن هنا، فإن الأوساط نفسها، قد لفتت إلى أن الهوّة قد باتت كبيرة ما بين الحكومة والمواطنين، مما أسقط الثقة بها نيابياً وشعبياً، لا سيما بعدما دعا نواب عدة، وفي طليعتهم نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، إلى تشكيل حكومة قادرة على التعاطي مع التحدّيات المحلية والإقليمية، وفي مقدّمها تحدّي الإجراءات والعقوبات الأميركية المتدرّجة ضد إيران وسوريا و»حزب الله».
وبالإضافة إلى هذه التحديات، تابعت الأوساط السياسية نفسها، أن تحدّي الفشل في الملف المالي، وعودة الأمور إلى المجلس النيابي لوضع أرقام جديدة للخسائر المالية، شكّل صدمة كبيرة لدى المواطنين، كما لدى المسؤولين، من المقاربة التي تعتمدها حكومة الرئيس دياب للإنقاذ المالي، والتي أدّت إلى تأخير أي خطوات جدية وإنقاذية وإصلاحية.
وخلصت الأوساط النيابية نفسها، إلى أن الخشية من عدم الإتفاق السياسي على صورة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، هي العائق الوحيد أمام طرح احتمال تغيير الحكومة على طاولة النقاش السياسي الداخلي، وبالتالي، فإن هذه الخشية قد تزيد من حظوظ الحكومة الحالية في الإستمرار، ولكن من دون أن يكون النجاح حليفها في خطتها وأدائها لتجنيب لبنان خطر الوقوع في الفتنة أو في الإفلاس.