كثر الحديث في الصالونات السياسية عن مرحلة ما بعد إنجاز الحكومة دفعة التعيينات المالية والإدارية، إذ تضاربت القراءات ما بين مهاجم لها، ومنتقد ومتحفّظ على بعضها، ومؤيّد بالمطلق لعملية ملء الشواغر في الإدارات، وانعكاس هذا الأمر على حسن سير المؤسّسات العامة. لكن، وكما عادت خطة الحكومة المالية في أبرز أجزائها، خصوصاً ما يتعلّق منه بالخسائر المالية، إلى ملعب مجلس النواب، كما أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري من قصر بعبدا يوم الجمعة الماضي، تحدّثت مصادر نيابية معارضة، عن تململ لدى بعض الكتل النيابية على أثر خطوة الحكومة الأخيرة، وذلك لأسباب بديهية، وهي أولاً إهمال آلية التعيينات التي كان أقرّها المجلس النيابي منذ أسبوعين، وثانياً تراجع الحكومة عن كل وعودها والتزاماتها السابقة لجهة التركيز على الجدارة، خصوصاً في ظل ما يتردّد في بعض الصالونات عن انتماءات سياسية لبعض الذين عُيّنوا، وعن غياب الخبرة لدى البعض الآخر، والذي يحول دون قدرتهم على النهوض بأعباء الموقع الذي جرى تعيينهم فيه.
وتطرّقت المصادر النيابية المطّلعة، إلى إجماع النواب على رفض المحاصصة والعوائق الطائفية التي تحول دون تعيين مرشحين يتّخذون من المصلحة اللبنانية العليا قاعدة لقراراتهم، مؤكدة أن ما حصل في مجلس الوزراء أخيراً، أتى مخالفاً لكل المعايير المتّفق عليها في القانون، لا سيما لجهة تعيين أكثر من في المئة من وظائف الفئة الأولى من خارج الملاك، وهو ما من شأنه أن يشكل مسّاً بالدستور، ومجالاً للطعن ربما في وقت لاحق.
وبحسب المصادر النيابية نفسها، فإن مرور خطوة التعيينات من دون ردود فعل سياسية بسبب اشتعال الشارع يوم الخميس الماضي نتيجة الإرتفاع الجنوني في سعر الدولار الأميركي في الأسواق اللبنانية، لا يخفّف من وطأة وانعكاس هذه الخطوة على صورة مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، وعلى خطاب الحكومة ورئيسها حسان دياب عن الإصلاح، وذلك، في الوقت الذي يتحدّث فيه الشارع عن منطق المحاصصة الذي ما زال سائداً. وأضافت المصادر، أن المواطنين منشغلون بالمشكلات الحيوية التي يواجهونها، وأبرزها الذي يبشّر به المسؤولون أنفسهم نتيجة الإنهيار المالي، ولكنها استدركت موضحة أن الإعتقاد بأن الحكومة استطاعت تمرير سلّة التعيينات، ليس في محله على الإطلاق، لأنه مع هذه الخطوة، فإن المفاوضات الجارية للحصول على الدعم المالي الخارجي قد تتعثّر.
وذكّرت المصادر النيابية، بما سبق وأن سمعه الوفد المفاوض مع صندوق النقد، وهو تحديد منهجية خاصة للإصلاحات، وتشديد على أهمية تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في القطاع العام لإعادة تعزيز الثقة، ودعم النمو من جديد. وفي هذا المجال، كشفت عن علامات استفهام طُرحت في أوساط سياسية وديبلوماسية خلال الأيام الماضية، وتطرّقت إلى المصادفة ما بين صدور التعيينات الأخيرة، وارتفاع سعر الدولار واشتعال الشارع، ولاحقاً مبادرة الحكومة إلى رمي الإتهامات على القوى السياسية بحجة عرقلة مسيرة الحكومة، علماً أن المفاعيل السلبية لكل هذه التطورات المتلاحقة قد أصابت الحكومة أولاً، قبل أن تصيب الليرة والإستقرار الأمني والإجتماعي والمالي ثانياً.