IMLebanon

إقتراحا المعارضة: المشكلة في الآلية لا في المرشح

 

يضيف اقتراحا المعارضة اسباباً للدوران في الوقت الضائع: حوارٌ يسبق انتخاب الرئيس أم على هامشه أم بعده؟ لأن كلاً من الافرقاء يتصلب في وجهة نظره ويرفض الرأي المعاكس ولا يتراجع خطوة الى الوراء، يتقاطعون جميعاً عند قاسم مشترك واحد: لا يريدون رئيساً الآن ولا قريباً

 

في وقت قياسي حُرم اقتراحا المعارضة لانتخاب رئيس الجمهورية فرصة مناقشتهما بأن قوبلا بتحفظ افرقاء ثالثين قبل ان يرفضهما الخصوم. الافرقاء المفترض انهم ثالثون في الاصطفاف القائم حالياً بين المعارضة والثنائي الشيعي، النواب السنّة والحزب التقدمي الاشتراكي، اظهروا ميلهم الى وجهة نظر الرئيس نبيه برّي في دعوته الى الحوار، دونما تمكّن الثالثين هؤلاء حتى الآن من التحوّل قوة وسطية، يستقطبون اليهم نواباً مستقلين بين الفريقين الآخرين. ومن دون ان يبدوا استعداداً حتى كي يتخذوا هذا الموقف. ربما تكمن الايجابية الرئيسية في ما آل اليه اقتراحا المعارضة، من وجهة نظرها على الاقل، في تأكيدها انها لا تزال قادرة على امتلاك الفيتو الذي يمنع التئام ثلثي مجلس النواب لانتخاب رئيس ترفضه، ولا تزال قادرة على منع حوار داخلي لا ينعقد من دونها ما دامت صفته السياسية تماثل تلك الدستورية الملزمة لجلسة الانتخاب.

في حصيلة الامر في ظل انقسام كهذا يتعذّر الآن، كما في اي وقت آخر كما من قبل، انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يُكسر كلا الاصطفافين او احدهما او يُرغم على التنازل عن تصلبه وشروطه.

مع ذلك فتح اقتراحا المعارضة باباً على سجال جديد في وسعه اهدار اسبوعين اضافيين على الاقل من الوقت الضائع:

1 – انتقال الاشتباك على انتخاب الرئيس من الخلاف على المرشح، المؤيد من فريق والمرفوض من فريق آخر وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الى الخلاف على الآلية الدستورية لانتخاب الرئيس كما لو ان هذا – لا ذاك – هو الاصل في المشكلة. ما رَامَ اقتراحا المعارضة تأكيده ان الآلية الدستورية الملزمة لجلسة الانتخاب المنصوص عليها في اي من المواد 73 و74 و75 – مع ان لكل منها حالتها المنفصلة عن الاخرى وحيثية ظروفها وشروطها – هي فحسب ما يقتضي الاقتداء به. ليس التشاور على هامشها، في الاقتراحين، الا تكريس تطبيق الآلية تلك والوصول الى خواتيمه. ليس التشاور كذلك الاصل في الانتخاب، بل تجاوز انقسام الهيئة الناخبة واستنفاد كل المحاولات للوصول اخيراً الى التصويت وانتخاب الرئيس، اياً يكن المرشح.

حصل ذلك مرتين. اولى قبل اتفاق الطائف في جلسة 17 آب 1970 داخل قاعة مجلس النواب بين الدورتين الاولى والثانية، انتهت في دورة اقتراع ثالثة الى انتخاب الرئيس سليمان فرنجية، وثانية بعد اتفاق الطائف في جلسة 5 تشرين الثاني 1989 على هامش قاعة الانتخاب بين الدورتين الاولى والثانية انتهت الى فوز الرئيس رينه معوض.

في التقاليد المجرّبة لانتخاب الرئيس: إما بتوافق عام او باكثرية مركبة ظرفية

 

2 – التأكيد مجدداً على قاعدة اساسية في جلسة الانتخاب، هي في الواقع احد التقاليد المجرّبة في انتخابات الرئاسة اللبنانية على مر العقود المنصرمة قبل اتفاق الطائف خصوصاً، كما بعده. فحوى القاعدة هذه منبثق من طرازيْ انتخاب رئيس الدولة: إما بتوافق عام الى حد الاجماع او اقل سواء من الدورة الاولى في معظم الاحيان ويحدث ان يقع في الدورة الثانية، على غرار انتخاب الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو وامين الجميل ورينه معوض والياس هراوي واميل لحود وميشال سليمان. وإما بانتخاب الرئيس بالتعويل على الاكثرية المركبة الظرفية المتأتية من تحالف او ائتلاف اكثريات سياسية او مذهبية تدعم مرشحاً، فيما تعارضه كتل اخرى. الا ان الاكثرية المركبة هذه تنجح في انتخابه. ذلك ما رافق اكثر من استحقاق كانتخاب الرؤساء الياس سركيس وبشير الجميّل وميشال عون.

نجاح الائتلافات الظرفية المتصلة بانجاح امرار انتخاب الرئيس لتفادي الشغور، كما لتقاطع مصالح الكتل كبيرة او صغيرة من حول مرشح دون سواه، اتاح انجاز الاستحقاقات في مهلها الدستورية. ما هو قائم اليوم على نقيض التقليد ذاك: لا اهمية عند افرقاء الزمان الحالي لوقوع الشغور، وأضحى متوقعاً منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي وقد يستمر طويلاً بعده. لا مغزى ايضاً لاحترام الآلية الدستورية عندما يتمسك فريق بمرشح ويتشبث خصومه برفض ترشحه منذ ما قبل الوصول الى جلسة الانتخاب ما يحول عندئذ دون بلوغها. اما اسوأ المثالب فتعطيل نصاب جلسة الانتخاب على انه حق دستوري.

ليس المجلس الحالي المنتخب قبل اكثر من سنتين سوى ابن القاعدة نفسها. بيد انه يفتقر الى الاصل في تكوينه وهو الاخلاق الدستورية المنوط بها احترام الاحكام والمهل والآليات. في البرلمان الحالي كتل صغيرة كما برلمانات ما قبل اتفاق الطائف كتلك اعوام 1951 و1953 و1970، مثلما ظهرت برلمانات الثنائية الحزبية كتلك اعوام 1943 و1960 و1964. على ان معظم هذه انجزت انتخاب رؤساء متعاقبين تارة بالتعويل على الغالبية المتوافرة لدى احد طرفيْ الثنائية الحزبية وطوراً بائتلافات تجمعت من حول اكثرية مركبة ظرفية.

ما حدث في جلسة 14 حزيران 2023 قدّم دليلاً على امكان توافر اكثرية مركبة ظرفية – دعيت حينذاك تقاطع الاعداء – من كتل صغيرة دونما تمكّن هذه من حيازة اي من نصابيْ الانعقاد والانتخاب (الثلثان والنصف وزائداً واحداً). الثنائي الشيعي بدوره كتلة صغيرة وان هو ممسك بمقاعد الطائفة الـ27 كلها وقادر على منع التئام اي جلسة بدعوى الميثاقية. بيد انه يفتقر بدوره الى الاصل في الفوز بانتخاب الرئيس: حضور الثلثين واقتراع النصف زائداً واحداً. هو ما تفتقر اليه المعارضة بغالبيتها المسيحية التي اضحت – في مواجهة فرنجية عبر ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور – اقرب الى اكثرية مركبة ظرفية عاجزة عن الحسم.

ربما يصلح القول بأن ثمة ثلاثة نماذج صحّ حصولها في مدد متباعدة عن نشوء اكثرية مركبة ظرفية من اقليات تمكنت من التحول الى اكثرية صلبة اتاحت انتخاب الرئيس: اولاها انتخاب 1970 عندما اجتمع الحلف الثلاثي مع كتلة الوسط ونواب مستقلين لدعم ترشيح فرنجية الجد، في مواجهة كتلة شهابية صلبة قبالتها هي النهج الشهابي رشحت سركيس. ثانيها انتخاب 1982 بتولد كتلة صلبة من غالبية النواب المسيحيين والشيعة وبعض نواب دروز وسنّة اوصلت الرئيس بشير الجميل الى انتخابه. ثالثها انتخاب 2016 المنطلق من كتلة صلبة اولى هي حزب الله والتيار الوطني الحر صارت اكثر صلابة بانضمام حزب القوات اللبنانية، ثم اضحت القوة المرجحة بالتحاق الرئيس سعد الحريري، فانتهت بانتخاب عون.