IMLebanon

اقتراحا المعارضة «فسّرا الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ»

 

 

كان من المتوقع ان يخرج نواب المعارضة أمس «بخريطة طريق» لانتخاب رئيس للجمهورية، مختلفة جذرياً او بنحو كبيرعن مواقفهم السابقة الرافضة «لفكرة التشاور او الحوار السابق للإنتخاب، ورفض إبتداع اعراف جديدة غير دستورية» كما وصفوها، لكنهم في الاقتراحين اللذين قدّموهما امس، كمن «فسّرَ الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ»، إذ عادوا لفكرة التشاور لكن بطريقة تحايلية لم تقدّم جديداً ولو اختلفت قليلاً بالشكل.

في المبدأ، حافظت المعارضة على موقفها بعدم صدوردعوة التشاور عن الأمانة العامة لمجلس النواب وعدم ترؤس الرئيس نبيه بري للجلسات. وان تلي التشاور جلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس. وكذلك موقفها بعقد جلسات انتخابية تتخلّلها جلسات تشاور في حال الفشل في انتخاب رئيس. ولكن هذا يعني انّ ما قدّمته المعارضة ليس بجديد ولا يفتح آفاقاً للحل ولا يؤمّن في الامور الإجرائية توافقاً او تفاهماً لا على فكرة التشاور او الحوار، ولا على فكرة عقد جلسات انتخابية، طالما انّ مواقف الطرف الآخرعلى حالها وتختلف عن موقف المعارضة. ما يؤكّد فشل هذين الاقتراحين مسبقاً.

 

ولم يقدّم اقتراحا المعارضة ما وصفه احد نوابها امس بثغرة دستورية صغيرة يمكن النفاذ منها الى عقد جلسات التشاور ومن ثم جلسات الانتخاب. ففي الاقتراحين تفسير واحد لموقفها لم يكن بحاجة الى هذا الجهد لتظهيره بقالب جديد بمضمون قديم. وهو بالتالي لا يُقدّم ولا يُؤخّر لا في موقف المعارضة ولا في موقف القوى السياسية الاخرى.

 

كما انّ اقتراحي المعارضة يناقضان موقف رئيس المجلس ومن يمثل من قوة سياسية اخرى وازنة، بإقفال محضر جلسة الانتخاب اذا لم تسفر عن نتيجة ايجابية، بداعي بقاء ابواب مجلس النواب مشرّعة امام عقد جلسات عامة لتشريع الضرورة اذا اضطرت ظروف البلاد والعباد عقدها، وهي الجلسات التي شاركت فيها المعارضة مراراً لتمرير قوانين تهمّها سياسياَ وشعبياً، وبالتوافق الحبي التام مع خصومها في الكتل الاخرى، وخرجت منها مسجّلة لنفسها انتصاراً تشريعياً وشعبياً.

 

اما موضوع الالتزام بتوفير نصاب جلسة الانتخاب، فهو مطلب كل القوى من دون استثناء، ومطلب مبادرات تكتل الاعتدال الوطني واللجنة الخماسية العربية – الدولية وكل الموفدين الذين زاروا لبنان من ضمن مساعي إزالة الاستعصاء الداخلي حول الاستحقاق الرئاسي. اذاً موضوع النصاب لا خلاف حوله، وجاء في الاقتراحين من باب تأكيد المؤكّد ليس إلّا.

 

كان من المعوّل على المعارضة بعد الترويج لاقتراحيها ان تقدّم ما يمكن البناء عليه من افكار ومقترحات جديدة، لفتح نقاش جديد بين الكتل النيابية يساهم في دفع الاستحقاق الرئاسي خطوات الى الامام، ويتلاقى مع مساعي الداخل والخارج، لكنها بقيت تراوح مكانها، لا بل ربما فتحت ابواب سجالات وخلافات جديدة. لا سيما وانّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اكّد امس بعد المؤتمر الصحافي لنواب المعارضة «لن نقبل بأي حال من الأحوال ان نكون في عداد من يشارك في خلق أعراف دستورية من خلال استيلاد طاولة حوار رسمية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، نحن في حالة حوار دائم مع بقية الكتل النيابية، ومن يريد طاولة استعراضية لحوار غير دستوري فليذهب للمشاركة فيها، ولكن يبقى الأهم دعوة الرئيس بري إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس الجمهورية». واتخذ الموقف نفسه لاحقاً المكتب السياسي لحزب الكتائب. وهذا يعني أن لا تقدّم ولا تغيير جوهرياً ولا فعلياً في موقف المعارضة، فلماذا هذا الحراك الجديد البلا نتيجة؟

 

ولعلّ كلام جعجع وحزب الكتائب سيُسيء اكثر الى اقتراحي نواب المعارضة، لأنّه يقطع الطريق سلفاً بالتوصل الى نتيجة ايجابية خلال جولات نواب المعارضة على الكتل النيابية لعرض الاقتراحين. وربما كان الأجدى بهما أن ينتظرا نتائج جولة النواب ويبنيا موقفهماعلى هذه النتائج، إلّا إذا كانا متيقنين سلفاً أنّ الاقتراحين فعلاً كمن «فسّرَ الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ»، من حيث انّهما لن يقنعا بقية الكتل لانّهما لم يتضمنا «خريطة الطريق» التي يمكن البناء عليها للوصول الى نتائج ايجابية بالتوافق على عقد جلسات التشاور أياً كان شكلها ومن الداعي لها، لكن طرح المعارضة الجديد كان من باب رفع العتب.