جنيف أرض الصفقات. والظاهر أن صفقة الملف النووي بين ايران ومجموعة ٥١ لم تعد صعبة تقنياً، ولا عصية على ما يسميه المتفاوضون قرارات وخطوات سياسية شجاعة. لكن كل طرف يقول انه فعل ما عليه، ويطلب من الطرف الآخر اتخاذ هذه القرارات والقيام بالخطوات. هذا ما قيل عشية التمديد للمفاوضات في فيينا، بحيث أوحى كل طرف أن الطرف الاخر تردد في اتخاذ القرار الجريء. وهذا ما كرره في جنيف وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الايراني محمد جواد ظريف بعد محادثاتهما الناجحة ومشوارهما النادر معاً على الرصيف قبالة بحيرة ليمان.
وليس أكبر من حاجة الرئيس باراك أوباما الى اتفاق على الملف النووي سوى حاجة الرئيس حسن روحاني الى رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران. أوباما يعتبر أن الصفقة التي تنهي أزمة الملف النووي وتفتح باب التفاهم الجيوسياسي على النظام الاقليمي مع طهران هي الانجاز المهم لموقعه في السجل التاريخي لسادة البيت الأبيض. وروحاني يرى أن رفع العقوبات هو الرافعة التي تنهض بالاقتصاد الايراني، بعدما أظهرت تجربتنا السياسية ان البلاد لا يمكنها تحقيق نمو مستدام، وهي في عزلة كما قال مؤخراً.
لكن في الكونغرس وفي دول عدة حليفة لأميركا قوى تعارض التنازلات وتحد من قدرة أوباما على الحركة. وفي طهران قوى مهمة ونافذة ترفض التخلي عن العداء لأميركا وتتمسك بما تسميه الثوابت، وتصف روحاني بأنه ثوري مزيّف، بحيث يصعب عليه اتخاذ القرار السياسي الشجاع المطلوب. ولا يبدل في الأمر أنه وصل الى طرح سؤال محرج جداً للأصوليين هو: هل نكون أقوياء اذا امتلكنا كل أنواع المعدات العسكرية واعتمدنا على آخرين في حاجاتنا من القمح والحبوب واللحوم وزيت الطهي والسكر؟
واذا كان أوباما يرى أن الاتفاق النووي يضع ايران في موقع قوة اقليمية ناجحة جداً، فان المتشددين في طهران يفاخرون بالنفوذ الايراني في اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت ويرون أن بلادهم حققت بالملف النووي والعداء لأميركا والمزيج من القوة الصلبة والقوة الناعمة ما جعلها في موقع قوة اقليمية عظمى.
ومن الصعب التكهن بالحد الذي يذهب اليه أو يتوقف عنده المرشد الأعلى علي خامنئي في دعم تجربة روحاني وظريف التفاوضية على الملف النووي مع مجموعة ٥١ وخصوصاً مع أميركا. لكن ديبلوماسية المشاوير التي يمارسها وزيرا الخارجية الأميركي والايراني لم تعد نوعاً من التابو بعدما صارت شعارات محور الشر والشيطان الأكبر على الرف.
وليست الممانعة في النهاية سوى وسيلة مرحلية للتوصل الى تفاهم مع أميركا على الدور والحصة والنفوذ في المنطقة.