يلاحظ أنه، وللمرة الأولى في تاريخ الأزمات اللبنانية المتعاقبة، واشتداد الصراع السياسي، غياب أي معارضة، أكان على المستوى النيابي والسياسي أو الحزبي، حتى أن «الثورة» التي ولدت في 17 تشرين، باتت غائبة عن كل ما جرى في الآونة الأخيرة من انهيارات مالية واقتصادية واجتماعية واستمرار هذا النزف حتى اليوم، ما يطرح تساؤلات حول هذه الظاهرة الغريبة عن السياسة اللبنانية، التي لطالما شهدت معارضات كان لها دورها ووقعها في تغيير الواقع السياسي المأزوم.
في هذا الإطار، تكشف معلومات عن لقاء سياسي معارض قد يكون الأوسع والأبرز في هذه المرحلة، والذي سيضم بعض النواب المستقيلين وأحزاب وتيارات سياسية وعدد من الجمعيات التي تصنّف في خانة المجتمع المدني، وشخصيات مستقلّة إلى هيئات فكرية وثقافية واقتصادية، ولهذه الغاية تُعقد لقاءات متنقلة في منازل بعض المؤسّسين، وفي بعض المنتديات والجمعيات الثقافية والرياضية، استعداداً للمؤتمر العام الذي ستصدر عنه وثيقة سياسية شاملة تكون بمثابة التأسيس لوطن جديد على مرتكزات إصلاحية ووطنية واقتصادية ثابتة وعمادها قانون انتخاب عصري، ومن ثم لائحة انتخابية موحدة لهذه القوى في كل المناطق.
وفي مقابل هذا اللقاء المعارض والموسّع، فإن القوى التقليدية المعارضة، والتي كانت تضم الحزب التقدمي الإشتراكي وأحزاب أخرى، أو أولئك الذين كانوا يشكلون نواة 8 و14 آذار، بات أمراً مستحيلاً في ظل هذه التباينات بين القوى المذكورة، وصولاً إلى أن المرحلة الراهنة قد تشهد، مفاجأة من العيار الثقيل على خط الإصطفافات السياسية والتحالفات الإنتخابية، إذ سيكون هنالك تحالفات مغايرة عن الإنتخابات السابقة، ولا سيما على صعيد جبل لبنان والبقاع، ربطاً بالإنقسامات السياسية والخلافات بين من كانوا يصنّفون في خانة الحلفاء، مما يعني أن المجلس النيابي المقبل سيشهد متغيّرات كثيرة في الوجوه الجديدة أو في المضمون السياسي، والدلالة ما يجري اليوم من تباينات بين «الإشتراكي» و»تيارالمستقبل»، أو بين «القوات اللبنانية» و»المستقبل»، وصولاً إلى «التيار الوطني الحر» ومعظم حلفائه.
لذلك، ترى المعلومات أنه ثمة صعوبة كبيرة في أن تكون هناك معارضة واحدة قوية، كما درجت العادة والتقليد السياسي في كل الحقبات من الستينات والسبعينات والثمانينات إلى ما بعد العام 2005، ومردّ ذلك، كما تنقل عن أحد النواب المستقيلين، إنما يتمثّل بالخلاف حول قانون الإنتخاب، وبين الحلفاء أنفسهم، ورواسب من الإنتخابات السابقة، إلى عناوين لها صلة بخلفيات ذات صلة إقليمية.
من هذه الزاوية، لا تستبعد المعلومات أن ينخرط، كلّ من «تيار المستقبل» و»الوطني الحر» في صفوف المعارضة، وكلٌ على طريقته وأجوائه وظروفه المحيطة، لا سيّما في حال لجأ الحريري، الى الإعتذار عن التأليف، لأن ثمة من نصحه بتفعيل تياره واتخاذ طريق المعارضة، خصوصاً قبل الإنتخابات النيابية المقبلة، وذلك ما ينسحب على «التيار البرتقالي»، خصوصاً وأن الجميع في لبنان مأزوم على خلفية انهيار الوضع الإقتصادي والإعتقاد السائد لدى هؤلاء أن المعارضة أفضل الطرق التي يستسيغها الناس.
ويبقى أنه، وحيال هذه الأجواء، تتوقع المعلومات ومن خلال ما يحصل على الأرض، أن تزدحم الساحة الداخلية بالتيارات والجبهات السياسية المعارضة في المرحلة القادمة، وذلك في ضوء المشاوارت الدائمة والمستمرة من بعض القوى والأطراف لهذا الهدف.