فتح الرئيس سعد الحريري في الجلسة ما قبل الأخيرة باب النقاش حول «التسوية»، أي حول انتخاب العماد ميشال عون، وكما بات معلوماً فقد عبّرت غالبية نواب «المستقبل» عن رفض هذه «التسوية»، فيما وافق ثلاثة نواب عليها.
أن يترأس الحريري اجتماع كتلة «المستقبل»، فهذا هدف له أغراضه، وأولها طرح موضوع التسوية التي وضعها ضمن ثلاثة خيارات: إما التسوية، أو المواجهة، أو الاستمرار في المراوحة، ثم علّق ساخراً في سياق النقاش «الخيار هو إما ننتحر من الطابق العاشر أو الحادي عشر او الثاني عشر».
كان هذا التعليق رداً على شبه إجماع بأنّ الموافقة تعني الانتحار، وهو شبه إجماع بدأ بكلام واضح للنائب سمير الجسر رفض فيه خيار عون، وتبعه حشد من النواب الذين اجمع بعضهم على الرفض المطلق، فيما وضعت قلة قرارها في يد الحريري، مفوِّضة إياه على طريقة «نعارض ولكن نترك لك القرار النهائي».
في ذلك الاجتماع كان الرئيس فؤاد السنيورة صامتاً لأنّ موقفه بات معروفاً سلفاً، وكان مؤيّدو خيار انتخاب عون يجهدون لإبراز محاسن الخطوة، لكنهم ظلوا أقلية. أما الحريري فاستمع ولم يوضح الخيار الذي سيتبنّاه، بغض النظر عن ثقل القرار وصعوبته، فيما تأكد بعض النواب من أنّ مستشاره نادر الحريري غير مؤيّد لخطوة انتخاب عون، خلافاً لما يُقال عن أنّ علاقته الجيدة بالوزير جبران باسيل تسير في خط تسويق عون.
في المقابل، ماذا في الجانب العوني وكيف ينظر عون الى ما يجري في تيار «المستقبل» في شأن ترشيحه؟
تقول مصادر عونية إنّ عون المتفائل بقرب انتخابه، يرى أنّ مسار الأحداث يصب لمصلحته، فترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، في رأي المصادر احترق، منذ ولادته على يد «حزب الله» الذي بات يرى فيه مرشحاً أقرب الى الحريري والسعودية، وما العتب العلني على «الحزب» الذي عبّر عنه على طاولة الحوار سوى نذر يسير ممّا يقوله في الغرف المغلقة.
حرق ورقة فرنجية يصبّ في خانة عون، تقول المصادر، والجنرال يتصرف ببرود لافت وارتياح لأنّ انتخاب فرنجية لم يعد مطروحاً، ومع أنّ القطيعة باتت تامة مع فرنجية، فإنّ الإعلام العوني والنواب يتجنّبون تناوله، بإيعاز من الجنرال، إذ لا حاجة لإطلاق النار على ورقة احترقت.
في التصوّر العوني للأحداث المقبلة، كما تقول المصادر العونية، مسار واضح يفيد أنّ عون بات المعبر الإلزامي إلى قصر بعبدا.
تعود المصادر الى الوراء قليلاً وتقول: عند التمديد للمجلس النيابي، قال العماد عون للرئيس الحريري، إنّ هذا التمديد القصد منه حرمانه من الإتيان بغالبية نيابية تقوده الى الرئاسة، لكنّ المجلس الممدّد له لن يكون أكثر من غطاء لتسوية كبرى، (السلة). وتضيف المصادر، أنّ كلام عون مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي كان شبيهاً.
تتوقع المصادر العونية أن تظهر ايجابيات في موقف الحريري من ترشيح عون، فمعارضة الحريري انتخابه تعني إقفال الباب امام وصوله الى السراي، أما الموافقة فتعني أنّ الحريري يمكن أن يكون رئيساً للحكومة بموافقة «حزب الله»، ولهذه الموافقة أسبابها العملية.
ترى المصادر العونية أنّ الحزب له اليد الطولى في قرار الموافقة على الحريري رئيساً للحكومة من ضمن التسوية الكبرى، وإذا كان هذا القرار ليس في يد عون حصراً، فإنّ الحزب يطمئنّ الى أنّ ضبط الحريري كرئيس للحكومة، ممكن جداً فقط إذا كان عون الرئيس.
لهذا تقول المصادر، إنّ عون يطرح ثنائية تعاون متوازنة مع الحريري، القادر على إضفاء شرعية سنّية على الحكومة، وهذا ما يسير به الحزب مع عون، وما لا يسير به مع أيّ مرشح آخر.
ويبقى السؤال: مَن سينتصر في لعبة عضّ الأصابع الطويلة؟ الحريري وخياراته الصعبة، أم عون الذي بات يقول أمام زواره: «معادلة عضّ الأصابع أستطيع تحمّلها، حتى لو انقطع إصبعي، والطابة لم تعد في ملعبي».