بانتظار تحديد بدء موعد حوار المستقبل وحزب الله بعد أسبوعين
تفاؤل محدود بإمكان الوصول الى تفاهمات جدّية حول المفاصل الأساسية
الإهتمام الواسع بالحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل برعاية الرئيس نبيه بري شخصياً، يرافقه غيوم كثيرة
رغم العواصف الأمنية التي تهب على لبنان من جرود عرسال وامتداداتها في البقاع الشمالي، والتي تستدعي من الحكومة قرارات أمنية وسياسية شجاعة بوقف هذا الوضع، ومنعه من التمدد الى الداخل اللبناني، رغم ذلك فكل الأنظار السياسية تتجه نحو عين التينة التي تتحضّر هذه الأيام لرعاية الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل وفق جدول أعمال يتصدره موضوع الاحتقان السنّي – الشيعي والسبل الواجب اعتمادها من قبل الفريقين لتنفيس هذا الاحتقان وتقوية المناعة الشعبية لإبعاد شبح الفتنة المذهبية على نطاق واسع وفتح كل الأبواب لولوج التسوية الوطنية على خلفية انتماء الجميع الى الدولة القوية والعادلة.
ويقضي رئيس مجلس النواب نبيه بري معظم وقته في عين التينة يجري اتصالات بين الفرقين من أجل التحضير لهذا الحوار وفي الوقت نفسه يقوم ممثله الوزير علي حسن خليل بتكليف منه، مواصلة البحث مع ممثلي الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله بهدف تقريب وجهات النظر ورسم خريطة الطريق للوصول بهذا الحوار الى نتائج إيجابية، تفتح الأبواب الموصدة أمام الحلول الناجعة للمشاكل العالقة، كانتخاب رئيس توافقي وإصدار قانون جديد للانتخابات النيابية وإبقاء الحوار مفتوحاً بحيث يتحوّل بعد انتخابات رئيس الجمهورية الى مؤتمر للحوار الوطني برئاسة الرئيس التوافقي أو إبقائه في عهدة رئيس مجلس النواب كما حصل في العام 2006 الذي شهد أول طاولة للحوار الوطني تنطلق من مجلس النواب في ساحة النجمة.
غير أن هذا الإهتمام الواسع بالحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل برعاية الرئيس نبيه بري شخصياً، يرافقه غيوم كثيرة تتجمّع من هنا وهناك لتوحي بأن مهمة رئيس المجلس ليست بالسهولة التي يريدها هو ويتوقعها بعض المقربين منه، نظراً لتراكم الخلافات بين الفريقين المتحاورين وأبعادها التي تتجاوز النطاق المحلي الى النطاق الإقليمي مثل الخلاف على سلاح حزب الله الذي لا يرى تيار المستقبل أي إمكانية لتوافق اللبنانيين حول رؤية واحدة للدولة إلا من خلال نزعه أو تسليمه الى الدولة، وإعلان الحزب عن انضمامه الى الدولة وتكريس همّه ونشاطه من أجل دعمها وتقويتها كما حال كل قوى الرابع عشر من آذار التي تكرّس كل جهودها لإقامة الدولة القوية التي تحتضن كل اللبنانيين بالتساوي ودون أي امتيازات لأي من الطوائف التي تشكل مجتمعة الدولة اللبنانية، فضلاً عن الخلاف الجوهري على ارتباط حزب الله بولاية الفقيه في إيران والتزامه بتنفيذ سياساتها في المنطقة العربية والشرق أوسطية، فضلاً عن الخلافات الأخرى الجوهرية حول دخول حزب الله الحرب الى جانب النظام السوري ضارباً عرض الحائط إعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس المعتمدة من قبل الحكومة الحالية التي يشارك فيها الحزب بقوة والتي كانت معتمدة أيضاً من قبل الحكومة السابقة التي كانت محسوبة عليه. يضاف الى كل هذه التعقيدات الكبيرة التي لا بد وأن تشكل حجر عثرة يحول دون وصول الفريقين الى نتائج تتعدى تنفيس الاحتقان المذهبي مؤقتاً، إنتقادات من جانب حزب الله الى الرئيس الحريري على خلفية المواقف التي أطلقها في إطلالته الأخيرة حيث سمّى هذه الأمور بالخلافية بأسمائها وكان جدّياً وواضحاً في تحميل المسؤوليات وتوجيه الرسائل وتقديم طروحاته وخريطة الطريق الحوارية المرتكزة الى ضرورة تنفيس الاحتقان وانتخاب رئيس جمهورية والتوافق على قانون انتخابي وإجراء الانتخابات النيابية باعتبار أن الشروع في انتخاب رئيس للجمهورية ينتج حكومة جديدة تعيد تحريك عجلة الدولة ودورة الحياة في شرايينها المجمدة سياسياً واقتصادياً وهو أعرب بكل وضوح عن استعداده للتخلي عن مرشحه الرئاسي الدكتور سمير جعجع تأكيدا منه على الجدية والانفتاح في التعاطي مع هذه الطروحات.
إلا أن امتعاض الحزب وفق أوساط مقربة من تيار المستقبل لن يثنيه عن المضي في مشروعه الحواري ولا حتى اللاءات المرفوعة في وجهه مثل اللا لانسحاب الحزب من سوريا واللا للبحث في سلاحه من ضمن الاستراتيجية الدفاعية واللا للتنازل عن الاستحقاق الرئاسي وإحالة القضية الى النائب ميشال عون للتفاوض والاتفاق معه، وهي اللاءات الثلاث التي تشكل جوهر الخلاف مع الحزب والتي يجب التفاهم حولها قبل الولوج الى الحوار الحقيقي وليس الشكلي على الرغم من أن الرئيس الحريري في مبادرته الحوارية تجاوزها من دون أن يقدّم تنازلات كان الحزب يتوقعها في ما خص الحوار، وقرر المضي في مشروعه تثبيتاً لنهج تيار المستقبل الانفتاحي وتأكيداً على أن لا حل للمعضلات السياسية عن طريق العنف بل عبر الانفتاح والتواصل والحوار وهو بذلك ينزع كل فتيل لاتهامه بتحمّل مسؤولية العرقلة في أي استحقاق سياسي أو أمني خلافاً لما تدّعيه بعض المكونات السياسية والحزبية في قوى الثامن من آذار التي لم تقدّم منذ نشوء الأزمة ولو مبادرة واحدة للتوافق بين اللبنانيين وإعادة الحياة الى مجاريها الطبيعية مما يؤكد للداني والقاصي مسؤوليته عن تدهور الأوضاع حتى وصول البلد بكل مكوناته الى حافة الهاوية، ورغم كل هذه التعقيدات المتراكمة أمام الحوار المفترض يبقى التواصل أفضل من الانقطاع الى حين حصول الانفراج الاقليمي والدولي وتحرك الخارج من أجل الضغط على القوى الداخلية لشدهم ولو بالقوة للسير في المسار الذي يؤدي الى قيام الدولة ووقف التدهور.