لقاء القمة بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس رجب طيب اردوغان، مهم جداً خصوصاً في هذه المرحلة وهذا التوقيت. من المؤكد أن الحلول لملفات سوريا والعراق واليمن ليست محلية ولا إقليمية بحتة وإنما بالتأكيد دولية بمشاركة إقليمية. هذا التوجه يفرض تشكيل تحالفات قادرة على المشاركة بقوة في رسم مسارات الحلول، ومن ثم في صياغة الحلول، حتى لا تطعن في الظهر، ولا تستبقيها القوى الأخرى فتأكل من «صحنها».
حصول أي تفاهم بين الرياض وأنقرة، أصبح أكثر من ضروري. سوريا والعراق معاً مقبلان على تغييرات حقيقية. لم يكن ذلك ليحصل لولا الانخراط غير المحدود للكلفة وللخسائر المادية والأخلاقية لإيران وروسيا مع الأسد.
طهران دخلت الحرب في سوريا من اللحظة الأولى عبر المستشارين ومقاتلي «حزب الله« باسم الدفاع عن السيدة زينب، أما موسكو فإن «القيصر« تدرج في انخراطه بالحرب من المؤقت الى الدائم، مؤكداً بذلك ما قيل من البداية إن المؤقت في الشرق يتحول بسرعة الى دائم. التكافل والتضامن الكاملان والعميقان بين الحليفين الروسي والإيراني، رغم بعض التمايز والتنافس في دعم الأسد، لا حدود لهما. من البداية وضع المرشد آية الله علي خامنئي خطاً أحمر أمام إسقاط الأسد. أما «القيصر» فإن الأسد خط أحمر طالما يخدم استراتيجيته.
رغم كل الانتصارات المعلنة من جانب موسكو وطهران في سوريا، فإن الواقع يؤشر الى غير ذلك. رجب طيب اردوغان يؤكد «ان الأسد وحليفيه لا يسيطرون على أكثر من 14 في المئة» أما الباقي فهو بيد المعارضات السورية بما فيها «داعش». ترجمة هذا الإعلان أن التنسيق بين القوى السورية والإقليمية فعلياً وعملياً يسقط حالة «الانتصار الوهمي» للتحالف الواقف خلف بقاء الأسد. دون هذا التنسيق سيبقى «التحالف الإسلامي« مبتوراً.
رجب طيب اردوغان في حاجة الآن الى الانخراط في تحالف واسع يملك كل أسباب القوة لأن يكون «الرقم الصعب» في صياغة المسارات ومن ثم الحلول. تركيا تبدو كأنها وضعت بين «المطرقة والسندان»، لإجبارها على التسليم بالصياغات التي ترفضها، أو لا تريدها. «القيصر» يستثمر حادثة السوخوي 24 الى آخر مدى. الأسد يدعم العمل المسلح الكردي، وإيران التي تخاف من «الحالة الكردية»، تصمت عن النشاط الأسدي كما تصمت وتتغاضى عن التنسيق الروسي الإسرائيلي الذي أصبح علناً ولم يعد في الخفاء.
قلق اردوغان من إقامة «دولة أسدية»، يبدو كأنه أصبح خطراً قائماً. روسيا تعمل حالياً على تنفيذ خطة «جزأرة» سوريا، أي «تنظيف« سوريا «المفيدة» والعمل على وصل مربعاتها بعمليات فرز تنتج تناسقاً قابلاً بالهيمنة الثلاثية الأسد روسيا إيران.
«سوريا المفيدة» ستكون «شريطاً» جغرافياً يمتد من اللاذقية الى حمص وصولاً الى القصير على الحدود اللبنانية. الباقي يترك للمعارضات السورية على أن تتم عبر الغارات الجوية الروسية المكثفة وبعض العمليات العسكرية البرية الناجحة وتبادل قرى ومسلحين، تقوية «داعش» التي تضعف الآخرين.
«القيصر» والمرشد وبينهما الأسد، يعملون على وضع العالم كله أمام الخيار بين الأسد و»داعش». اقامة «سوريا المفيدة»، تجبر الآخرين، برأي «القيصر»، على مساندته في الحرب ضد «داعش». لا يعود الخيار الدولي بين الحرب والسلام في سوريا. استمرار الأسد و»داعش» يسقط السلام. السوريون الذين لن يقبلوا بالأسد، لن يقبلوا بـ«داعش»، لذلك الحرب ستستمر في سوريا.
استمرار الحرب في سوريا، ينتج يوماً بعد يوم انزلاقاً نحو المواجهة السنية الشيعية الواسعة. اتهام اردوغان لإيران بأنها «تقف خلف الأسد لأسباب طائفية» يضيء على هذا الخطر القادم. مثل هذا التحول «يقزم» خطر «داعش». في الأصل شجع البريطانيون السلطة الصفوية على تشييع إيران لوضعها في مواجهة تركيا السنّية، ودفعهما الى التناحر وحتى الحرب. وحدتهما كانت ستلغي النفوذ البريطاني. أما إذا تحول التنافس الى حرب تركية ايرانية، فإن كل الحروب في المنطقة والتي منها في سوريا لن تكون أكثر من «تجربة» صغيرة أمام ما يمكن أن يحصل من حروب تبدأ على الحدود التركية الايرانية ولا تتوقف حتى لا يبقى من المنطقة سوى الدماء والدموع والفقر.
قيام «سوريا المفيدة»، ودفع «داعش» للجوء الى مربع سوري يكاد يتشكل الآن، ليس فقط اشعاراً باستمرار الحرب، ولكنه تأكيد لعملية التقسيم الجديد للمنطقة وانهيار كل الحدود أمام الحروب المذهبية التي ستندم عليها ايران أكثر من غيرها، لأنها بدلاً من أن تكون دولة اقليمية كبرى صاعدة ستجد نفسها وسط «نار» لا ترحم رغم كل الأمنيات والصلوات.